صالح أبو إصبع
ولد الدكتور صالح خليل أبو اصبع صقر في سلمه عام 1946، تخرج من جامعة القاهرة يحمل ليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية عام 1968، وحصل على ماجستير في النقد الأدبي والأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1977، وعلى دكتوراه في الإعلام من جامعة هوارد – واشنطن، دي سي عام 1982، عمل خلال الأعوام 1968-1970 مدرساً في طرابلس، وخلال العامين 1972-1973 مدرساً في الكويت، وخلال الأعوام 1973-1975 عمل أميناً لتحرير مجلة الثقافة في جامعة الفاتح الليبية، وفي العامين 1979-1980 عمل باحثاً زائراًَ لجامعة ميتشغان الأمريكية، وخلا السنوات 1982-1989 عمل أستاذاً مساعداً ثم مشاركاً في قسم الإعلام بجامعة الإمارات، وفي الأعوام 1989-1991 عمل خبيراً إعلامياً بالمجلس القومي للثقافة العربية، ومحاضراً في المعهد العالي للصحافة في الرباط، ومكلفاً بالإشراف على تأسيس المؤسسة العربية للإنتاج الأدبي والفني، ومن ذعام 1991 وحتى العام 2003 وهو يتقلد أرفع المناصب في جامعة فيلادلفيا حتى كان خلال السنوات 1995-2000 عميداً لكلية الآداب والفنون في الجامعة، وفي العام الدراسي 2001-2002 عمل في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، وكان في العام 1992 قد أسس وعمل مديراً عاماً لدار آرام للدراسات والنشر في عمان.
شارك في حلقات دراسية وندوات ومؤتمرات علمية أبرزها: ندوة أعلام الإمارات في زمن متغير المنعقدة في جامعة الشارقة عام 2001، والمؤتمر الثاني عشر للوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي المنعقد في الرياض عام 2000، والندوة العالمية حول القدس، ودائرتها الحضارية العربية والإسلامية المنعقدة في الدوحة عام 2000.
وهو عضو في الجمعية المغربية لأبحاث الاتصال، وفي المجلس القومي للثقافة العربية، وفي رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، وجمعية حماية البيئة، وجمعية النقاد الأردنيين.
مؤلفاته:
في الأدب:
فلسطين في الرواية العربية (بيروت: مركز الأبجاث 1975).
قراءات في الأدب (طرابلس: الشركة العامة للنشر والتوزيع 1978).
الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1978).
في الاتصال:
الإعلام والتنمية: نموذج مقترح للاتصال التنموي (دبي: مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر 1989).
قضايا إعلامية (دبي: مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر 1988).
الاتصال والإعلام في المجتمعات المعاصرة (عمان: دار أرام للدراسات والنشر ووزارة الثقافة 1995).
الأسس العلمية للإدارة: نظريات وتطبيقات –إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي (عمان: دار آرام للدراسات والنشر 1997).
مناهج البحث الإعلامي –تأليف ويمير ودومنيك طبعة ثانية (ترجمة) (عمان: دار آرام للدراسات والنشر 1998).
AFRO-ARAB CENTRICITY: A MODE FOR DEVELOPMENT COMMUNICATION (CANADA. ONTRIO: JERUSALEM INTERNATIONAL PUBLISHING HOUSE, 1982).
العلاقات العامة والاتصال الإنساني (عمان: دار الشروق 1998).
الاتصال الجماهيري (عمان: دار الشروق 1999).
تحديات الإعلام: المصداقية الحرية والهيمنة الثقافية (عمان: دار الشروق 1999).
نصوص تراثية في ضوء علم الاتصال (عمان: دار أرام للدراسات والنشر 2001).
قصص قصيرة:
عراة على ضفة النهر (القاهرة: مطبعة المعرفة 1972).
محاكمة مديد القامة (بيروت: دار القدس 1975).
أميرة الماء (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1978).
وجوه تعرف الحب (قبرص: دار الملتقي 1992).
قصص بلون الحب: المجموعات القصصية (2001).
كتب عامة:
الحق والبندقية (طرابلس: الشركة العامة للتوزيع والنشر 1980).
ثانياً: كتب مشتركة
READINGS IN MASS COMMUNICATION, BY NABEEL JURDI (EDITOR) THE BOOK SHOP, 1983 –AL-AIN-U.A.E.THE ARAB RHETORIC OF THE ARAB-ISRAELI CONFLICT IN THE UNITED NATIONS.
READOM OF THE PRESS: THE CASE OF LIBYA 1969-1977.
Libya Terrorist or Terrorized: An Inquiry into Polities, Ideology & Communication Coeditor Ontario, Canada: Jerusalem International House, 1982.
إدارة المؤسسات الإعلامية: بالاشتراك مع خالد محمد أحمد (دمشق/قبرص: دار صبرا للطباعة والنشر 1984).
كتاب ندوة أقسام الإعلام بالجامعات العربية: أعمال الندوة بحوثها وتوصياتها –بحث في مفاهيم الاتصال في التراث العربي، (العين – جامعة الإمارات العربية، 1984).
دراسات في الإعلام والتنمية العربية "تحرير وتقديم" (دبي: مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر 1989).
فنون الأدب الحديث، بالاشتراك معه آخرين (عمان: جامعة القدس المفتوحة 1995).
الاتصال والعلاقات العامة، بالاشتراك مع د.تيسير أبو عرجة (عمان: جامعة القدس المفتوحة 1996).
العرب وتحديات الهيمنة والعولمة "وسائل الاتصال الجماهيري والأخلاق، رؤية لمسؤولية الإعلام الأخلاقية في القرن الحادي والعشرين "(المغرب –الرباط، المجلس القومي للثقافة العربية 1997).
العولمة والهوية، بالاشتراك مع آخرين “Tribes in A Wired Global Village: Mass Communication Challenges in the Era of Globalization” (عمان: جامعة فيلادلفيا: 1999).
نحو دراسة تأصيلية للرواية الفلسطينية المعاصرة، بالاشتراك مع آخرين. بحث بعنوان: "الدراما والفنتازيا في الرواية الفلسطينية".
(فلسطين -رام الله مركز أوغاريت للنشر والترجمة، ط1، 2000).
الأدباء العرب في مواجهة التحديات، بالاشتراك مع آخرين، بحث بعنوان : "الكلمة والمصداقية عربياً بين ثوابت الثقافة ومتغيرات الإعلام"، (الأردن –عمان: الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ط1، د.ت).
قصة:
السراب
صالح أبو أصبع
كانت صحراء وكان عبد المولى وحيداً، حينما خانته سيارته فاجتاح محركها الخلل، وبلا خبرة حاول جهده أن يصنع شيئاً لها. أعيته الحيلة فمال على مقود سيارته متكئاً... حاعلاً رأسه فوق قرص المقود.. فانطلق صفيرها مدوياً... كان قد استرسل في إغفاءة قصيرة.. فهب مذعوراً صائحاً مخاطباً من حوله:
"أنت... من أنت...؟ لماذا تقف هكذا كالأبله...؟ تغني.. تغني أغنيات أطفال من أنت..؟؟".
(كان عبد المولى يتميز غيظاً).
"يا أنت لم كل هذه النشوة؟؟ إنني أرغب أن تمشى سيارتي. ولكنك تقف مسروراً كأنك تشمت بي.. ها قل لي ماذا تريد؟ وجودك لا يؤنسني... أنت تشعر بوجودي لهذا تضحك؟"
-هذه الصحراء يخيل إلي أنها لم تكن طيلة عمرها مقصداً لأي عابر سبيل حتى لو كان خائباً مثلي..
"ماذا جاء بك عبد المولى حتى رسى بك هذا المرسي السيء..؟
أي حظ عاثر هذا الذي أتى بك؟ حتى تتلقفك هذه الصحراء الفاغرة فاهاً يبتلع الجمل والسيارة والإنسان... أي قدر هذا الذي رمى بك إلى صحراء ومجنون.؟"
-المجنون يقف مشدوهاً حول السيارة وواضح تماماً أنه لم يركبها (أو هكذا خُيّل لعبد المولى) كان يدور حولها، وهو يتلمس سطحها الأملس الداكن فتلسعه حرارتها، ويعود ينظر ثانية حول نوافذها، ويلقي ببصره من خلفها.
كان عبد المولى يلتزم الصمت وكان يراقبه.. بعد أن كلَّ من محاولة إصلاح السيارة، ملَّ، ثم جلس خلف مقودها ينتظر فرج الله. "لماذا تنظر إليّ هكذا...؟" بصوت عال ونبرة حازمة قال عبد المولى ذلك. وفرك عينيه. كانت الصورة تهتز كغبش أمامه.. ظل عبد المولى يراقب وأخذ يقفل زجاج السيارة.
"ماذا تفعل يا عبد المولى لو أن هذا الغريب استظرف شيئاً وأراد أن يتناوله؟ ماذا لو أقدم على فعلة حمقاء؟ أدافع حتى الموت..
الموت.. أي موت تعني وأنت تعيش الموت كل يوم.. أحياتك ذي تعتبرها حياة؟ تعيش في الصحراء وأهلك تتركهم على بعد آلاف الأميال وتعيش في الصحراء وحيداً تجمع القرش فوق القرش.. وحينما تعود إلى قريتك يظنك أهلها البسطاء مليونيراً هبط إليهم من مدينة قارون ولكن لو يدرون كيف تجمع القرش تلو القرش آه لو يدرون؟.. إذن لعرفوا أنك ميت في جوف حي.
"انظروا.. انظروا"
لقد أخذ الرجل يضرب بشدة زجاج السيارة "هكذا توهم لعبد المولى" نعم يضرب بشدة سيكسر الزجاج.. كان وجهه طفولياً وكانت ضرباته أحسست بها شديدة، كان ذا شفتين غليظتين جافتين تماماً، كان يلهث كأنه قطع عدواً عشرة أميال متتالية.
أخذ جهده يتضاءل، وعيناه تجحظان، وشفتاه تتدليان.. كيف يا عبد المولى يمكن أن تستميله؟ ابتسمت، مددت يدي خلفي وتناولت زمزمية الماء.. لعله ظمآن.. قلت ذلك في نفسي، فتحت باب السيارة، جاءني مسرعاً، ولم ينتظر أن أحدثه. خطف الزمزمية، وأخذ يكرع ماءها.. يا له من ظمآن..
كان بحوزتي علبة بسكويت ناولته قطعاً منها.. التهمها في لحظات.. يا له من جائع.. ابتدأت تعابير وجهه تسترد معانٍ جديدة... جسده عاد إلى طوله السابق، عيناه وشفتاه استعادتا طبيعتهما.
هل ظلمته؟
لم يكن شريراً ولا مجرماً.. ولا قاطع طريق.
-ما اسمك؟
ضحك طويلاً، وأخذ يغني أغنية جذلى اعتدت سماعها من الأطفال.
كيف يمكنني أن أتفاهم معه؟
-هل تريد ماء؟
هز رأسه بالنفي.
-إذن تريد أن تأكل؟
أومأ برأسه نافياً كذلك.
-أين تسكن؟
وأشار بيده ليفهمني أنه في كل هذا الكون.
-هل تركب معي؟
لم أسمع جواباً، إذ كان قد سبقني إلى الكرسي.
-الجو حار في هذه الصحراء.
هز رأسه بالإيجاب.
-أأنت متزوج؟
وحرك رأسه دون أن أفهم ماذا يعني.
أحاول إشعال السيجارة وهو ينظر.. كللت.. أخذت الترانزستور أدرت المؤشر على المحطة.. كانت تبث أخباراً.. وأخذ يستمع بتركيز سألته:
-هل تسمع؟
هز رأسه بالإيجاب، فقلت في نفسي إذن هو عربي. آه لو ينطق هذا الرجل.. لا يعرف سوى أغنيات الأطفال وأن يهز رأسه. من أي دنيا جاء..؟ وهذه الصحراء التي تبتلع اللسان أيضاً..؟
قلت "سيارتي تعطلت كما ترى...
-لا أعرف الخلل الذي اعترى محركها.
...
لم يجب..
وقررت أن أتابع الحديث معه.
-هل تمر سيارات كثيرة من المنطقة؟
أنا أعمل مع شركة كبيرة محترمة.. وعندي نقودلا بأس بها.. رحلات الصحراء هذه تكلفني كثيراً من الجهد.. لكني أقوم بها...
-الحياة صعبة أليس كذلك؟
ظل صامتاً.
مددت يدي تناولت قطعاً من البسكويت.. التهمتها.
-هل تأخذ شيئاً؟
لا يرد.. لا يتحرك.
أشعر بدوار شديد.. ساعات طويلة في صحراء لا تعرف لها وجهاً من ظهر، لولا هذا المذياع لانقطعت عن كل الدنيا.
-أهلي يسكنون بعيداً.. والدي قال لي أنك تقابل أحياناً أناساً لا تعرفهم، ويجدر أن تكون مؤدباً معهم.
....
-أتسمعني؟ والدي عوّدني على ذلك.
"بصوت أقرب إلى الصراخ قال عبد المولى ذلك".
...
-والدي قال لي أن من الأدب إذا سألك أحد أن تجيبه.
...
-إني أحدثك لا تخرجني عن طوري... حادثني كما أحدثك.
كان عبد المولى قد استشاط به الغيظ، وأعصابه انهارت تماماً.. وبدأ الليل يرخي سدوله وهو لا يرى شيئاً ولا يسمع.
الماء معه لا يكفي أياماً، والبسكويت كذلك لا يسده إلى الأبد.. ومن أين يأتيه الفرج؟ في هذه الصحراء الفاغرة فمها؟ ألن تبتلع حتى من يفتشون عنه؟
فكّر عبد المولى أن يتجول لعله يرى أي خيط أمل.. مشى وهو يتخبط..ز وأخذ يركض بجهد منزوف بكل اتجاه شرقاً، غرباً، شمالاً، جنوباً... وكان يرتد مرة أخرى إلى سيارته فيجلس منهكاً، ويرتمي على المقعد خلف مقود السيارة ويتحدث:
-ها قد رأيت كم تعبت ألا تدلني على إنسان؟... لماذا لا تحدثني؟
أدار مذياعه.. كانت أنغاماً موسيقية عذبة تنساب إلى مسامعه وسرح خياله.. فتاة جميلة يأخذها بين أحضانه ويرقصان ويلعبان ويجريان إلى البحر، تقذفه بالماء يقذفها بالماء... يتراكضان... يتضاحكان.. يدخلان البحر... يشربان المرطبات يجلسان تحت مظلة يبنيان بيوتاً من رمل... رمل.. رمل.. والرمل ها هو الآن يسبح فيه.. يغرق فيه.. واستيقظ من أحلامه إذ توقفت أنغام الموسيقى فجأة.. وجاء صوت مذيع أجش يعلن عن فقدان "عبد المولى وحيداً" في الصحراء "خرج عبد المولى وحيداً في مهمة اعتيادية إلى الصحراء" و... لم يقل المذياع ابتلعته الصحراء.. قال ويجري البحث عنه بطائرة عمودية بمساحة مائة ميل مربع.
صرخ عبد المولى فرحاً "إهم يبحثون عني.. يبحثون عنك يا عبد المولى، يبحثون عنك، أتسمع؟ يبحثون عنك".
وعادت لعبد المولى أحلامه، بحيوية فائقة خرج من سيارته، وأخذ يركض في كل اتجاه.. شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.
كلَّت قدماه... وأعياه التجوال... ترامى إلى سمعه أصوات بعيدة أنهم قد جاءوا.. تذكّر أهله.. تذكر الفتاة الجميلة، يجري معها إلى البحر، يسبحان ويبنيان بيتاً... نعم بيتاً، لكن ليس من رمل.. وغمغم بسعادة إذن آتون... سار باتداه السيارة وأخذ يجر نفسه بتثاقل وأعياء شديدين، حتى وصل بجوار السيارة وتهاوى عندها.
أخذ يدق.. أخذ يدق.. ولكن ذلك الذي كان معه لم يعد له وجود...
-أين أنت أين أنت..؟ افتح لي غناءك الطفولي؟ أين نشوتك؟ أين سرورك؟ أين جنونك؟ أنقدني؟.
-لم يكن مع عبد المولى أحد... كان صوته يضيع في جوف الصحراء دون أن يكون له صدى... بحث عبد المولى عن المجهول.. لم يجده... "ذاب.. ذاب هكذا قال".
-فتح عبد المولى باب السيارة تناول الزمزمية، فوجد ماءها مدلوقاً في قاع السيارة وكان البسكويت هشيماً...
تراخى عبد المولى على المقعد.. وكان ضجيج محرك الطائرة يقترب ولكن عبد المولى لم يسمع آنئذ شيئاً!!
*من مجموعة "وجوه تعرف الحب".
http://www.culture.gov.jo/index.php?option=com_content&view=article&id=487&Itemid=112&lang=ar