د. صالح أبو إصبع من سلمة إلى.. واشنطن
كانت الهجرة الأولى من فلسطين عام 1948، بعد حرب أثارت الرعب والهلع في قلوب الناس، وكانت قرية "سلمة" قد خرج أهلوها بعد مقاومة عنيفة، حتى أنهم أطلقوا عليها "سلمة الباسلة" ضد الإنجليز والصهاينة، وفي عام 1946، احتفل أهل القرية بولادة طفل جديد، أطلق عليه أبوه اسم "صالح" بعدما أنجب من قبله "يوسف"، كان أبوه "خليل" من المناضلين الذين قارعوا الاحتلال الإنجليزي والصهيوني، وقبض عليه من قبل الإنجليز وأودع السجن، كان محبّاً للعلم والتعليم، ولم يحالفه الحظ أن يدخل مدرسة، مثل أقرانه من أهل القرية لكنّه تعلم القراءة والكتابة في السجن، وحرص على أن يكون ما فقده من علم في أبنائه، فشجعهم وبذل أقصى ما عنده من أجل أن يرى أبناءه في أفضل المدارس والجامعات، كان لمخيم الأمعري الذي يقع على طريق رام الله ـ القدس، المحطة الأولى في الرحيل الفلسطيني بعد خروجهم عام 1948.
التحق "صالح" في مدرسة المخيم الابتدائية بعدما بلغ السنة السادسة من عمره، ثم انتقل بعد ثماني سنوات إلى مدرسة البيرة الجديدة الإعدادية، ثم انتقل إلى مدرسة الهاشمية الثانوية في البيرة، وما لبث فيها حتى انتقل إلى مدرسة رام الله الثانوية ليتخرج من الثانوية العامة
عام 1964.
كان للمخيّم ذكريات شقية، وذكريات تعتصر لها القلوب ألماً، بعدما حلم أهلها بالعودة إلى "سلمة". كان الأمل بالجيوش العربية حلماً ضاع مع الأيام والسنوات. فخطّ "صالح أولى محاولاته الأدبية عندما بلغ من العمر اثني عشر عاماً، وكان لأبيه الفضل في تشجيعه على الكتابة، عندما اشترى لـه كراساً خاصاً للكتابة، ليكون أولى محطاته في دنيا الكتابة، وكان لأخيه "يوسف" الذي يكبره بأربع سنوات فضل القراءة من مكتبة زخرت بالكتب، وكان "صالح" و"يوسف" يترددان على مركز شباب المخيّم مثل باقي أولاد المخيّم، لكن اهتمامهما بالثقافة دفعهما لإصدار صحيفة حائط في المركز، فكانت البدايات تكشف عن سرّ خفيّ في نفس الصبيين.
جاءت الفرصة ليحط "صالح" في قاهرة المعزّ ليكون طالباً على مقاعد الدراسة في دار العلوم، ليتخصص في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، فتفتّقت موهبته الأدبية عن كتابات كانت تسترعي نظر أساتذته وزملائه في الكلية، فكان لكتاباته القصصية أولى تباشيرها في جمعية القصة بالكلية. وكان لأساتذته أثر في صقل موهبته، ومنهم الدكتور عبد الحكيم حسان. فأقبل على القراءة أيّما إقبال، يقرأ في الفلسفة والتاريخ والسياسة والأدب، فكانت تلك الكلية تمور بالمبدعين والموهوبين من طلبتها، أمثال: علي العشري زايد، ومحمد عز الدين المناصرة، ومحمود عوض عبد العال، وآخرين.
جاء الفرح يغمر "صالح" وهو يغادر أبواب الجامعة عام 1968 حاملاً شهادة الليسانس، إلى طرابلس ـ ليبيا ليعمل مدرّساً للغة العربية حتى عام 1970، ليعود مرة ثانية إلى القاهرة لإكمال دراسته الجامعية للماجستير في النقد الأدبي، وها هي دار العلوم تستقبله مرة ثانية حتى عام 1972، وأثناء دراسته يصدر مجموعته القصصية الأولى بعنوان "عراة على ضفة النهر" عن مطبعة المعرفة بالقاهرة 1972، ليسافر إلى الكويت ليعمل مدرّساً ما بين عام 1972 ـ 1973. ليعود ثانية إلى ليبيا، ويعمل في مجلة الثقافة العربية أميناً للتحرير 1973 ـ 1977، ويقع على عاتقه إصدار المجلة لمدة عام كامل بمفرده، ويتعرّف أثناء العمل على الدكتور إحسان عباس الذي كان أحد هيئتها الاستشارية، فتمثل لـه الأب الروحي الذي يدعمه ويوّجهه في الحياة. ويصدر خلال هذه الفترة مجموعة قصصية ثانية بعنوان "محاكمة مديد القامة" في بيروت عن دار القدس عام 1974، وكتاب "فلسطين في الرواية العربية" عن مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت عام 1975. ثم ينتقل ليعمل مديراً لتحرير مجلة "الشورى" في طرابلس حتى عام 1979. ويصدر مجموعة قصصية ثالثة، بعنوان "أمير الماء"
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 1978، ثم يصدر كتابه الثاني بعنوان "قراءات في الأدب" عن الشركة العامة للنشر والتوزيع في طرابلس عام 1978. يغادر ليبيا لتستقبله واشنطن بذراعيها طالباً للدكتوراة في جامعة هاورد، ليتخصص في الاتصال الجماهيري (إعلام) حتى عام 1982.
هذا الصبي الذي تفتحت عينيه على قرية "سلمة" تخطى الحواجز إلى مخيم الأمعري، ليراوده الحلم في القاهرة ليواصل تعليمه للمرحلتين الجامعيتين الليسانس والماجستير، ثم يكون لليبيا محطة العمل الذي يعينه على الدراسة وشظف الحياة، إلى أن تأتي الفرصة السانحة ليحطّ رحاله في واشنطن طالباً للدكتوراة، ويصدر كتاباً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بعنوان "الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة" عام 1979. وكتاباً آخر بعنوان "الحق والبندقية" عن المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع في طرابلس الغرب عام 1980.
ليحط رحاله بعد الدكتوراة في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1982، ليعمل أستاذاً مساعداً، ثم مشاركاً في قسم الإعلام في جامعة الإمارات العربية المتحدة حتى عام 1989، ويصدر خلال تلك الفترة ثلاثة كتب، الأول بعنوان "إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي" عام 1984، والثاني بعنوان "قضايا إعلامية في الوطن العربي" عام 1988، والثالث بعنوان "الإعلام والتنمية: نموذج مقترح للاتصال التنموي" عام 1989.
ويكون للمغرب العربي محطة أخرى في حياة الدكتور صالح، ليعمل خبيراً إعلامياً بالمجلس القومي للثقافة العربية ومحاضراً في المعهد العالي للصحافة في الرباط، ومكلفاً بالإشراف على تأسيس المؤسسة العربية للإنتاج الأدبي والفني ما بين عام 1989 ـ 1991، ليعود إلى الأردن عام 1991، ويدخل جامعة فيلادلفيا، فيتقلّد أرفع المناصب الإدارية والأكاديمية ليصل إلى عميد كلية الآداب والفنون في الجامعة حتى عام 2000، وخلال تلك الفترة يؤسس دار آرام للدراسات والنشر في عمان، ويعمل مديراً عاماً لها، ويصدر عدداً من الكتب، منها: "وجوه تعرف الحب" مجموعة قصصية عام 1992، و"الاتصال والإعلام في المجتمعات المعاصرة" عام 1995، والأسس العلمية للإدارة: نظريات وتطبيقات ـ إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي" عام 1997، و"مناهج البحث والإعلام" تأليف ويمير ودومنيك، ترجمة، و"العلاقات العامة والاتصال الإنساني" عام 1988، و"الاتصال الجماهيري" عام 1999. ثم يغادر عمّان إلى عُمان للعمل في جامعة قابوس حتى عام 2002، ويصدر لـه كتاب بعنوان: "نصوص تراثية في ضوء علم الاتصال" عام 2001، ومجموعة قصصية بعنوان "قصص بلون الحب" عام 2001، ليعود إلى جامعة فيلادلفيا مرّة ثانية عميداً لكلية الآداب والفنون حتى الآن. ويشغل منصب رئيس تحرير مجلة "أفكار" التي تصدر عن وزارة الثقافة.
http://www.startimes.com/f.aspx?t=9352874