رغم الاعتقاد السائد بأن تناول الفيتامينات بشكل عام مفيد للصحة، إلا أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن أخذ جرعات يومية من الفيتامينات ما هو إلا مضيعة لنقود معظم الناس. فهناك أدلة متزايدة على أن بعض المعتقدات القديمة ربما تكون مضرة لصحتك. وإليك ما يجب معرفته.
أسطورة: الفيتامينات المتعددة يمكن أن تعوّض اتباع نظام غذائي سيئ
العام الماضي، توصل الباحثون لحقائق جديدة بعد إجراء دراسة طويلة ضمت 160 ألف سيدة في منتصف العمر. فقد أظهرت البيانات أن من يأخذن حبوب الفيتامينات المتعددة لم يتمتعن بصحة أفضل، على الأقل في ما يتعلق بالأمراض الكبيرة مثل أمراض السرطان والقلب والسكتة الدماغية.
وتقول معدة الدراسة الدكتورة ماريان نيوهاوزر (من برنامج الوقاية من السرطان في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل) إنه "حتى السيدات اللاتي اتبعن حميات غذائية سيئة لم تكن الفيتامينات المتعددة نافعة بالنسبة لهن".
علماً بأن استخدام مكملات الفيتامينات ظهر في بداية 1900، عندما كان من الصعب أو مستحيل الحصول على مجموعة واسعة من الفواكه والخضراوات الطازجة على مدار العام. في ذلك الوقت كانت الأمراض التي تنتج عن نقص الفيتامينات معروفة، مثل الكساح وتشوّه الضلوع (التي كانت تنتج عن نقص فيتامين د) أو مشاكل الجلد والتشوش الذهني (التي كانت تنتج عن نقص فيتامين ب نياسين).
يفضل أن تتناول الحامل 400 ميكروغرام من حمض الفوليك يوميا
أما هذه الأيام فمن الصعب أن يكون لديك نقص حاد، إذا كنت تتبع حمية غذائية أمريكية متوسطة، لأن معظم الأطعمة المغلفة غنية بالفيتامينات.
وتقول نيوهوزر إن الفيتامينات المتعددة ربما تحتوي على عشرات المكونات, الا أن النباتات تحتوي على مئات المركبات المفيدة. فعندما تكتفي بالفيتامينات فإنما أنت تحرم نفسك من فوائد كثيرة للعديد من المركبات".
رغم لك، فإن هناك مجموعة يجب أن تستمر في أخذ جرعات من الفيتامينات المتعددة، هن النساء الحوامل. فالسيدة التي تأخذ كميات كافية من حمض الفوليك و"فيتامين ب"، أقل عرضة لإنجاب طفل لديه عيوب في النخاع الشوكي، لأن الأخير يبدأ في التكون في وقت مبكر، حتى قبل أن تدرك تلك المرأة أنها حامل. فالأفضل بالنسبة لها الحصول على 400 ميكروغرام من حمض الفوليك يومياً. والفيتامينات المتعددة تعد وسيلة سهلة للحصول عليه.
أسطورة: "فيتامين ج" محارب لنزلات البرد
في السبعينات كانت لينوس بولينغ، الحاصلة على جائزة نوبل، تروج فكرة أن "فيتامين ج" يمكن أن يمنع البرد. واليوم الصيدليات مليئة بالعلاجات التي تعتمد على فيتامين ج. أما الدراسات فتقول: انتبه.
ففي عام 2007، عكف الباحثون على تحليل بعض الدراسات التي تعود عدة حقب للوراء والتي شملت حوالي 11000 موضوع وتوصلوا الى نتائج مخيبة للآمال: فيتامين ج لم يمنع البرد إلا عند العدائين والمتزلجين والجنود.
فيتامين س لم يمنع البرد الا عند العدائين والجنود
بطبيعة الحال فالوقاية ليست هي الموضوع الوحيد. فهل يستطيع الفيتامين تقليل مدة نزلات البرد؟ نعم ولا. فبالفعل إن أخذ الفيتامين بصفة يومية يقلل من مدة استمرار الأعراض ولكن ليس بطريقة ملحوظة. فالبالغون معرضون لأعراض البرد حوالي 12 يوماً في السنة. وقرص واحد يومياً قد يقلل هذه المدة الى 11 يوماً. أما عند الأطفال، فأعراض البرد قد تنخفض من حوالي 28 يوماً في السنة الى 24 يوماً.
لذا، توصل الباحثون الى أن تلك النتيجة لا تستدعي إنفاق النقود من أجل شراء حبوب فيتامين ج، على مدار العام (مع العلم أن أخذ فيتامين ج بعد انحسار الأعراض لا يفيد).
أسطورة: الفيتامينات يمكن أن تقي من أمراض القلب
كثر الحديث عن أن استخدام مكملات الفيتامينات قد تقلل من حدوث تلفيات في أوعية القلب. وقد جاءت هذه المعتقدات بعد ملاحظة ان من يأخذ الفيتامينات يكون أقل عرضة لأمراض القلب. الا أن الباحثين توصلوا الى أن هذه الملاحظات كانت نتيجة لما يُعرف بالتأثير الصحي للمستخدم، اي أن من يحرص على أخذ الفيتامينات عادة ما يكون شخص يداوم على الرياضة ويقاوم إغراءات التبغ والعادات السيئة الأخرى. الا انه من المحتمل أن تكون مضادات الأكسدة مثل فيتامينات ج وهـ، والبيتاكاروتين يمكن ان تمنع أمراض القلب عن طريق تقليل تعرض الشرايين لخطر التجلط. فبالفعل هناك نتائج جيدة لفيتامينات ب لكونه غنياً بحمض الفوليك وكذلك فيتامينات ب6 و ب12.
للأسف فإن كل هذه الآمال ثبت خطؤها.
فيتامين ب 12 لم يقلل مخاطر الاصابة بأمراض القلب
وخلص تحليل لسبع عينات من فيتامين هـ الى نتيجة أنه لم يقلل خطر حدوث السكتة الدماغية أو الوفاة من أمراض القلب. بل إن الدراسة أثبتت أن بعض المكملات زادت من خطر الموت.
أما جمعية القلب الأمريكية فتوصي بعدم أخذ هذه الأقراص, بل تفضل إعطاء بعض النصائح الدارجة مثل: يجب اتباع حميات غذائية غنية بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة.
أسطورة: الفيتامينات يمكن أن تقي من السرطان
يعرف الباحثون أن الجزيئات غير المستقرة التي يطلق عليها الجذور الحرة free radicals يمكن أن تدمر خلايا الحمض النووي ما يؤدي لزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان. كما يعرف الباحثون أيضاً أن مضادات الأكسدة يمكن أن تعمل على استقرار الجذور الحرة ما يجعلها نظرياً أقل خطورة. إذاً لما لا نتناول المزيد من مضادات الأكسدة كي نقي أنفسنا من السرطان؟ ببساطة لأن الأبحاث لم تثبت حتى الآن أن تناول هذه الحبوب يأتي بفائدة في هذا الشأن.
فيتامين (ب) مركب لم يمنع الإصابة بالسرطان
في الواقع، حاولت دراسات عديدة إثبات فائدة تناول الفيتامينات في الوقاية من السرطان لكن لم تفلح. على سبيل المثال، بنيت دراسة حديثة على إعطاء 5442 من السيدات إما دواء زائف والذي يطلق عليه الغفل placebo أو فيتامين (ب) مركب. وبعد متابعة استمرت أكثر من 7 سنوات، اتضح أن معدلات الإصابة بالسرطان والوفاة بسببه، واحدة عند المجموعتين. وفقاً للدراسة المستفيضة التي قامت بها نيوهاوزر عن الفيتامينات المركبة، تناول الفيتامينات لا يقي من السرطان. هذا نفس ما أثبتته الدراسات التي أجريت في كلية طب جامعة هارفارد Harvard Medical School على فيتامينات (ج) و(هـ) ومادة بيتا-كاروتين beta-carotene.
أسطورة: هذا لن يضير
يعتقد الناس منذ وقت طويل أن حتى إذا لم يكن تناول الفيتامينات ذو فائدة فهو أيضاً بلا ضرر. لكن أثبتت سلسلة من الدراسات المتعمقة أن هذا غير صحيح كما قال دكتور ديمتريس ألبانيس، عالم الوبائيات الغذائية في المعهد القومي للسرطان National Cancer Institute.
بدأ هذا التحول بدراسة للحبوب التي تحتوي على البيتا كاروتين والتي كانت تهدف لمعرفة ما إذا كانت هذه المادة المضادة للأكسدة تلعب دوراً في الوقاية من سرطان الرئة. اندهش القائمون على الدراسة حين اكتشفوا ارتفاع في معدلات الوفاة بين المدخنين الذكور الذي كانوا يتناولون الحبوب.
الحبوب مثل العقاقير لها آثار سلبية على الصحة
في البداية، لم يعرف الباحثون ماذا يستنتجون من هذه النتيجة لكن الدراسات التالية أوضحت أن الأمر ليس مصادفة، حيث يوجد احتمال كبير أن مضادات الأكسدة قد تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان في بعض الأحيان وهذا ينطبق على الرجال والنساء على حد سواء.
كما دقت بعض الدراسات ناقوس الخطر في ما يتعلق بأن تناول جرعات كبيرة من حمض الفوليك يمكن أن يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان القولون، وترجح دراسات أخرى وجود علاقة بين تناول جرعات كبيرة من بعض الفيتامينات والإصابة بأمراض القلب.
تصبح الفيتامينات آمنة حين يتم تناولها في الطعام الغني بها، أما الحبوب فهي مثل العقاقير حيث إن من المحتمل أن تكون لها آثار غير متوقعة وأحياناً خطيرة كما قال ألبانيس.
حقيقة: الحبة التي تستحق أن يتم تناولها
بما أن الدراسات الحديثة أثبتت خطأ الأساطير التي تعقد آمالاً عريضة على حبوب أنواع كثيرة من الفيتامينات، تبقى حبة واحدة هي التي تثبت جدراتها. تقول الأبحاث إن فيتامين (د) يقي من العديد من الأمراض. الرجال الذين يحتوي جسمهم على الكميات الملائمة من فيتامين (د) أقل عرضة للإصابة بالأزمات القلبية من الرجال الذين تقل لديهم مستويات الفيتامين. كما يبدو أن تناول الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (د) يقلل من مخاطر الإصابة بعدة أنواع من السرطان.
يقول دكتور سيدريك غارلاند، عالم الوبائيات بجامعة كاليفورنيا بسان دييغو University of California San Diego إنه لو حصل الأمريكيون على الكميات المناسبة من فيتامين (د) يمكن إنقاذ حوالي 50 ألف شخص كل عام من الإصابة بسرطان القولون والإثنا عشر.
لكن وفقاً لأديت غيند، عالم الوبائيات بجامعة كولورادو بدنفر University of Colorado Denver فإن معظم الأمريكيين لا يأخذون كفايتهم من فيتامين (د).
فيتامين (د) يقلل مخاطر الإصابة بعدة أنواع من السرطان
وفيتامين (د) هو فيتامين الشمس الساطعة، لذا يأخذه الجسم حين يتعرض لأشعة الشمس. لكن بفضل مستحضرات الحماية من الشمس وقضاء ساعات طويلة في العمل أو أمام التلفاز لا يأخذ معظم الناس ما يحتاجون من الفيتامين.
السؤال المطروح الآن هو: ما الكمية التي يحتاجها الشخص من فيتامين (د)؟ يقوم معهد الدواء The Institute of Medicine بدراسة هذا الأمر حالياً.
ويتوقع الخبراء وجود ارتفاع كبير في الكمية عن الموصى به حالياً وهي من 200 لـ600 وحدة يومياً. يقول غيند إن 1000 وحدة كمية آمنة: "نعتقد أن معظم الناس يحتاجون هذه الكمية".
إذا هذه هي خلاصة القول والتي تحتوي على الحقيقة وراء أساطير الفيتامينات: كل جيداً واختار فيتامين (د). هذه نصيحة لا تحتاج لأي مجهود ذهني كما أنها مفيدة والأهم من كل هذا أنها ليست أسطورة.
__________________