بقلم: طارق محمد حجاج
كالفريسة التي تنزف في البحار والمحيطات والغابات والصحاري تسير المطلقة وسط مجموعة من المفترسين، ليس للرحمة أي مكان في قلوبهم، وليس لها أي معنى في قاموس أخلاقهم وتربيتهم، يتتبعون رائحة فرائسهم الجريحة أينما مرت وأينما ذهبت لينقضوا عليها بأساليب عدائية متنوعة يصعب على الفريسة الجريحة في كثير من الأحيان الهرب أو الاختباء أو الدفاع.
في مجتمع قلما يلتمس فيه الناس للمطلقات أعذاراً بالرغم من الفاجعة التي حلت بهن، تبقى المطلقات في موقف قد تبكي فيه السماء على أوضاعهن وما يحصل لهن من كوارث، إلى أن تتغير نظرتنا لهن، وعندما نتحلى بالشجاعة لنساعدهم على تخطي أزَماتهن.
فمازال الطلاق يعري الفتاة المطلقة في أعين البعض من قليلي الدين وعديمي الضمير والإنسانية، فيحاولوا بدون توقف وبطرق لا تحصى ولا تعد محاولة نهش جسد هذه الفتاة العفيفة الشريفة، فمنهن من تسقط في ظل هذه الهجمات المتعددة والمتكررة، ولكن الكثير منهن ينجحن ولو بصعوبة بالغة في الصمود أمام هذه القرصنة.
و تتنوع أساليب التعرض للمطلقات، إلا أنها تنحصر في نوعين رئيسيين: الصورة الأولى الاعتداءات والتهديدات، أما الصورة الثانية وهي الأكثر شيوعا واستخداما تتمحور في التقرب للفتاة بصورة عاطفية تملئها المحبة وإظهار نوع من الاهتمام والحرص الملفت للانتباه، وفي الحقيقة فالظاهر ليس كالباطن، لأنها تخفي في باطنها أهداف سلبية وعدائية، فتتنوع الأساليب والهدف واحد "المنفعة الجسدية والمادية من الفتاة".
ويكثر استخدام الأسلوب الثاني عند بعض المتربصين مستغلين الفجوة العاطفية والنفسية والجنسية للفتاة بعد انفصالها عن زوجها، فيحاولوا الاختراق من هذا الضعف في جدار الحماية للفتاة، عن طريق إظهار بعض التعاطف والتضامن وتقديم المساعدة وإظهار الكثير من مشاعر الحب، فتنخدع الفتاة بهذه المشاعر الكاذبة التي تنطلي على أهداف دفينة قذرة.
والغريب في الأمر أن الضربة القاضية ونقطة الحسم النهائية تمنح من الأهل لصالح هؤلاء المرتزقة.
فالضغط النفسي الذي يولده الأهل على الفتاة المطلقة أو المتأخرة في الزواج، يدفعها في كثير من الأحيان إلى درجة البحث عن شريك ينقذها وينتشلها من بيت العائلة، والذي من المفترض أن يكون الملاذ الآمن للأبناء في كل الأحيان. لهذا تبدأ الفتاة بالتعاطي مع كل من يقترب منها أو يظهر لها أي نوع من المشاعر الصادقة أو الكاذبة، فهي تحاول على الأقل للخروج من الأزمة التي وضعتها فيها العائلة.
وهناك صورة أخرى تتسبب في كوارث بعد الزواج، وهي حالة عدم ملائمة الزوج للزوجة، فعندما تنفصل فتاة عن زوجها، أو تتقدم الفتاة في السن دون أن تتزوج، تبدأ الضغوط سواء على المطلقة أو الفتاة التي تأخر زواجها، فنسمع في كثير من الأحيان أن الفتاة تعامل كخادم في بيت أهلها، وينقطع عنها المصروف، ويعاملها أخوتها بقسوة شديدة، وتصبح الفتاة عالة على البيت، وحمل ثقيل، وشخص غير مرغوب وغير مرحب به في المنزل.
فما أن يتقدم لها شاب أو رجل أو مسن للزواج بها، حتى تقف أمام مخرج وحيد وهو القبول، ليس لأنها تريد الخروج من هذا المخرج، بل لأن أهلها أرغموها على القبول بالخروج من هذا المخرج، سواء أكان الرجل متزوجا أو كان المسن يكبر أباها في العمر أو كان الشاب منحرف أخلاقيا وسلوكيا، فترغم على القبول في جميع الحالات، بداعي السترة، فأي سترة هذه بربكم ؟؟ّ! أولم تكن مستورة في بيت أهلها منذ ولادتها ؟؟
وفي حالات أخرى قد تكون الفتاة موظفة وتتقاضى أجرا مرتفعا، فيبدأ الجشع والطمع يحرك النفوس الدَّنية تجاهها.
وهناك قصة سمعتها تقشعر لها الأبدان "عن شاب في أوائل العشرينيات من عمره لم يتزوج من قبل، فتزوج من مطلقة في الثلاثينيات من عمرها وقد أنجبت أطفالاً من زوجها الأول، وهي موظفة وتتقاضى أجراً مرتفعاً، فتزوجها بدون مهر، ووافق الأهل على الزواج بالرغم من أنه لا يمتلك مكان ليعيش فيه مع أبنتهم، فأخذ الأهل على عاتقهم فرش المنزل المستأجر وشراء كل ما يلزم من العفش، فسرعان ما بدأت النتائج السلبية في الظهور بعد انقضاء الأيام الأولى من الزواج ، ليبدأ الزوج بأخذ راتبها الذي تتقاضاه، وامتنع عن إعطائها أي جزء من راتبها لتدبير شؤون المنزل، ورغم ذلك كان يطالبها بتوفير الطعام واحتياجات المنزل، ولم يقف عند هذا الحد بل قام بضربها ضربا مبرحا لكي تذهب إلى بيت أهلها لتحضر له المزيد من النقود، بالرغم من أنه يأخذ جميع أموالها.
وقد قام بطردها من المنزل في العديد من المرات لأنها لم تستطع أن تحضر له أموال من بيت أهلها، ولم يكتفي بذلك بل قام ببيع عفش المنزل الذي اشتراه له أهل زوجته.
وفي أحد الأيام طلب منها أن تحضر له نقودا فلم تستطع، فقام فابرحها ضربا بسلك نحاسي حتى نقلت إلى المستشفى، وها هي الآن ما زالت في بيت أهلها وما فتأت تستميحه الطلاق، لكنه ما زال يرفض، حتى تتنازل عن جميع حقوقها.
وفي النهاية: لا يسعني إلا أن أذكر الآباء والأخوة، أن يكونوا رحيمون بأخواتهم، وأن يفكروا ألف مرة قبل أن يسلموا بناتهم وأخواتهم لأي شخص كان، فسترة الفتاة في بيت أهلها الذي تربت فيه أفضل لها إن لم تكن سعيدة في بيت زوجها، وتعيش عيشة كريمة معززة مكرمة.