روايات النساء حول هزيمة 1967: فقدان الأمل هو النكبة
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي
شكِّلت هزيمة عام 1967، نكبة جديدة، أو نكسة، أو خديعة، أو كارثة، كما تصفها روايات النساء، ممن قدَّمن شهاداتهن عن النكبة، إلى الـمركز العربي للـمعلومات الشعبية، واللواتي أكَّدن أنَّهنَّ تعلَّمن درساً قاسياً، بعد تهجيرهنّ، وهو مقاومة أيِّ مخطَّط قادم للتهجير.
تتحدَّث "حمدة أبو نحلة"، عن رحلة تهجيرها المتتالية، حين رحِّلت من بيت نتيف/ الخليل، إلى مخيم عقبة جبر/ أريحا، مروراً بالخضر/ بيت لحم، إلى عمان، مؤكِّدة وقوع نكبة ثانية، تفوق الأولى، حيث تركت الراوية وعائلتها كل ما كوَّنوه بعد النكبة الأولى، ليبدؤوا رحلة العذاب من جديد:
"صاروا الطيارات يطلعوا علينا، وصاروا يقولوا لنا: إلبسوا ثياب سُمُر، والضرب علينا، عشان ما نبيِّن، وننحشر جوّا الملاجىء. والله الـ 48، دشّرنا بلادنا الأصلية، هي اللي أثَّرت علينا، الـ 48 قتلتنا قتل، وبعدين الهجرة التانية أعطل أعطل (وتشدِّد على الكلمة)، مرتين ندشِّر أموالنا ورزقتنا. طيب والله يوم ما طلعنا، ونقول بكره بنرجع، بعده بنرجع، صارت أزود من الهجرة الأولى. ضلينا بالبستان، وبعدين رحنا على عقبة جبر، كل عيلتين بخيمة، وصاروا يديروا حبة هالطحين حبة هالمؤن، ونقول: بكرة بنروِّح، بعده بنروِّح، ويقعدوا هالناس ونسمع الأخبار على الراديو. وطالت هجرتنا، واجت الـ 67. والله نكبة، والله نكبة".
ومن الملاحظ أن ما جعل الإحساس بالنكبة يتضاعف؛ القضاء على الأمل، الذي عاش عليه الفلسطينييون منذ النكبة الأولى. يتبيَّن ذلك من شهادة "رسمية يحيى حمد"، المهجَّرة من قرية فارة/صفد، وتقيم في صيدا، حين عبِّرت عن فقدان الأمل بعد عدوان عام 1967:
"إحنا صارت نكبة أكتر وأكتر، وما عدناش تأملنا، لما نكبة ال67 قطعنا الأمل إنه رجعة ع فلسطين ما عاد فيه، بلشوا يحكوا بال67، قيادتنا بلشت بال67".
وتصف الراوية "آمنة المصري"، التي هجِّرت من قريتها الطنطورة، وتقيم في دمشق، أحداث عام 1967م بالنكسة أولاً، لتعود وتؤكِّد أنها أكبر نكبة:
"شو يوم! يوم عزا ما حدا شافه هضاك اليوم! إيه والله، كل العرب انكسرت، هم استحلّوا البلاد، استحلّوا الدنيا. إيه، إيه نكبة، أكبر نكبة".
أما "فاطمة الخواجا"، التي هجِّرت من قرية سَلمة/يافا، وتقيم في مخيم عسكر، فتعتقد أن حرب عام 1967م، هي حرب الأوهام والخديعة، أوهام حول انتصار الجيوش العربية، وخديعة من الجيش الإسرائيلي:
"مَرَة خِتْيارة طِلْعَتْ قالت إنه الجيش يحمينا، قال يعني خَلَصْ انتصرنا، وطالعة تُرْقُص وتغني من بلاطة البلد، قال إلها: روخ على البيت، وطال العَلَمْ وْحَطّه على الدبابة، وعرفوا إنه إسرائيلي، وخشّوا اليهود".
وتروي "فاطمة الرياحي"، التي هجِّرت من يافا، وتقيم في مخيم بلاطة، عن خوفها وعائلتها، من عدوان عام 1967، ومما يمكن أن يلحق بها وبناتها من أذى، وفي مخيِّلتها مجزرة ياسين؛ الأمر الذي دفعها للهروب إلى الجبل، مع بناتها:
"تذكرت دير ياسين، خفت قلت: لا، ما بَضَّلْ بالبيت، يساووا، بناتي صبايا بقوا. قال لي زوجي: أنتِ حرة، روحي، ضله هو هون زوجي. قال لي: روحوا وبلحقكم، قلت له: مش ما تلحقش؟ قال: بلحقكم، لا لحقنا ولا حاجة. كنت حبلى ببنتي هذه اللي استشهدت. نمنا هديك الليلة بالجبل تبع بيت فوريك. رجعنا، آه رجعنا".
*****
أما النساء اللواتي لم تهجَّرن عام 1967م؛ فقد تحدَّثن عن الأثر المعنوي للتهجير، حيث طغت مشاعر الخوف، والرعب، والحزن، والإحباط المعنوي.
تعتبر "سامية خوري"، من القدس، أن ما حدث عام 1967م كارثة بكل المقاييس. تتحدث عنها بحس ساخر. هو المضحك المبكي على حد قولها:
"كارثة بعتبرها، كارثة، يعني لأنه نحنا الطريقة اللي كانوا بيقولوا لنا، إنه الجيوش العربية كلها اتفقت، فكَّرنا يعني بعد ساعتين، بدنا نصير في يافا، والرملة، واللد، مزبوط صرنا في يافا، والرملة، واللد، بس بشكل معكوس جداً. فزيّ ما تقولي: المضحك المبكي كانت الشعور".
وتتحدَّث "آمنة المصري"، عن الأثر المعنوي السلبي عليها، وعلى مهجَّري النكبة الأولى:
"شو يوم! يوم عزا، ما حدا شافه هضاك اليوم! إيه والله، كل العرب انكسرت، استحلّوا الدنيا، فقعنا، متنا، ما حدا طالع بإيده شي، والله فقعنا، والله يوم النكسة ذبحونا، يوم النكسة قليلة التانية؟! استلموا كل البلاد اللي ضايلة. تحطَّمنا تحطيم. ما فيه نتفة أمل، شو صفينا؟ صفّينا برّة".
وتروي "يسرا سنونو"، المهجَّرة من قرية الكويكات، وتقيم في قرية أبو سنان/ عكا، عن الخوف، الذي انتابها عام 1967م:
"كنا ميتين خوف، سنة السبعة وستين، كنت مخلّفه ومروّحة، أول يوم وقامت الحرب، رحنا تخبينا عند بنت عمي، ع الأرض نمت، وأنا صار لي يوم مخلّفة. تركت عزيزة بالسرير ونبال حملتها، أجا جوزي من عكا وسألني: طلّعتِ البنات؟ قلت له: آه جبت عزيزة، قاللي: ونبال؟! قلتله: بعدها، رجع ع البيت وحملها".
وتصف "ريا هنية"، المهجَّرة من قرية أبو شوشة/ قضاء الرملة، وتقيم في رام الله، بدورها، إحساس الخوف الذي انتابها وأسرتها عام 1967م، مبيِّنة الفارق بين أحداث النكبة الأولى، التي احتلّت المقاومة حيِّزاً كبيراً، وبين ضعف المقاومة، إبان حرب الأيام الستة، عام 67:
"آه، هو في الـ 67 متنا خوف، سكَّرنا الدار على حالنا، وظلينا هان نقول: زينا زي غيرنا، إذا بدهم يهدموا هالدار؛ يهدموها، وإذا ما هدموش؛ آخرتها بتفرج، وهم صاروا ينادوا بالسمّاعات ينادوا بالسمّاعات: انه اللي بدّه يحمي دمه وبيته؛ يرفع العلم الابيض".
أما "عايشة زغاريت"، المهجَّرة من عراق المنشية/ غزة، وتقيم في مخيم العروب/ الخليل، فتصف مشاعر الحزن العميق، بعد هزيمة 1967، وتصميمها وأسرتها على البقاء في بيتها، مهما كان الثمن، مؤكِّدة أن هجرة واحدة تكفي:
"قلنا إحنا بنرحلش، وين نروح؟! خلص خلينا مرميين هان، بكفّينا هجرة وحدة، ظلينا مطرحنا، ما رحلنا، كل محيطنا، ناس معي رحلت يعني. إحنا ما رحلنا، هينا قاعدين مطرحنا. شو كان شعورنا هذاك الوقت؟! ايش كان شعورنا! كان شعورنا مأساوي، يعني مش نتفه، مأساوي، معيينا هجرة وحدة، خلينا زي ما إحنا قاعدين".
* كاتبة وباحثة فلسطينية من مدينة نابلس. -
faihaab@gmail.com