رحل مصطفى الحلاج محترقاً وسط لهيب لوحاته

بواسطة: غيث العبدالله | تصنيف: فنون تشكيلية | بتاريخ: الجمعة 13 مارس 2009 @ 6:11 ص

قبل ست سنوات في شتاء أكثر قتامة رحل مصطفى الحلاج محترقاً وسط لهيب لوحاته و اشتعال أوراقه و ذكرياته و قد شكل هذا و غيره مجمل تاريخه الإنساني و الفني و النضالي عبر سنوات طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن.
أبى أن يخلي المكان للحريق و هو يراه أمام عينيه يلتهم تاريخه المتمثل بمئات اللوحات التي تحكي سيرته الذاتية و قصة شعبه الفلسطيني المحتل. لم يكن الحلاج فناناً تشكيلياً مبدعاً و هاماً و صاحب رسالة فحسب بل إنسانا حقيقياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
استطاع أن يمزج و بقوة ما بين الفن و النضال متنقلاً بين عواصم عربية و أماكن مختلفة من العالم لتحتضنه دمشق في نهاية المطاف و في السنوات الأكثر غنى و تأثيراً متخذاً فيها من صالة ناجي العلي مرسماً له و ومكاناً لإقامته محاطاً بلفيف من الأصدقاء و الفنانين و المفكرين و الطلبة و الفنانين الشباب، و غيرهم ممن أحبوه و بادلهم الحب و العطاء فاتحاً أبواب مرسمه للجميع لتدار فيه الحوارات و النقاشات في جلسات مطولة لا تنتهي. هو المعروف بثقافته الواسعة وأفقه و اطلاعه و قدرته المميزة على التحليل و الاستشراف و العمق الغائص في الرؤيا ذات الأبعاد و المضامين.
يُعد مصطفى الحلاج أحد أهم الفنانين الفلسطينيين الكبار و أول من أعتمد بينهم السوريالية في لوحاته بمعناها النضالي و الثوري مستمداً من الأساطير “مصر الفرعونية – بلاد ما بين النهرين – الأساطير الكنعانية ” مواضيع أعماله التي تمكن من أن يربط فيها بين الحلم و الواقع مستخدماً الأسود و الأبيض كتقنية لونية أساسية قلما أستبد لها حتى و كأنه أختزل بمعلميته الفائقة خصوبة الألوان و تنوعها بهذين اللونين اللذين صارا شعاراً له و لطالما بقيا عصيين على غالبية الملونين غيره، مازجاً من خلالهما بين رؤية السوريالية و الصوفية في آن واحد معتمداً كثافة الرموز و العناصر و الأشكال المختزلة المتراصة المتلاحقة و المتكررة عن عمد بغنائية شعرية و موسيقية مشبعة بالتنويعات اللحنية القوية التكوين و الانسجام و بتلقائية و حرية و غرائبية تكتظ بخيالات و سماوات لا حصر لها.

عندما احترق الحلاج في مرسمه احترق معه أهم ما أبدعه أواخر أيامه و هي جداريته الشهيرة و أطول لوحة في العالم “114متر” محفورة على الخشب تمثل قصة الإنسان و آلامه و أحلامه و آفاقه المستقبلية و رؤياه من خلال دمجه للحضارات العربية القديمة و الحديثة كما إنها تظهر صراعنا مع العدو الصهيوني و تحكي في إحدى جوانبها قصة الحياة و الموت و غيرها من الأفكار العديدة المليئة بالرموز و المداليل.
ولد الحلاج في منطقة سلمة قضاء يافا في فلسطين المحتلة عام 1938 درس النحت في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ثم أتم دراسته في مراسم الدراسات العليا في الأقصر عام 1968 أقام عدة معارض شخصية في الوطن العربي و العالم أولها في القاهرة عام 1964 شارك في العشرات من المعارض الجماعية في البلدان العربية و الأجنبية و في لجان تحكيم عدة مهرجانات تشكيلية و سينمائية و مسرحية كما نال العديد من الجوائز العربية و العالمية.