إذا أردت الحديث عن الشهداء توقفت الكلمات، وتحشرجت النفس بالعبرات، فإذا بالدمعة تسيل على الوجنات، راسمة أرقى صورة لذلك الانسان، صورة تحمل في ألوانها عنفوان الشباب، ورائحة المسك المخضب بالدماء، هي صورة لانسان زينها بالخلق والحياء، وصبغها بلون التواضع وروح الإباء، انها صورة المجاهد الشهيد، والمرافق الحبيب عمر منصور.
الميلاد والنشأة
في ليلة هادئة من ليالي فلسطين، نسيم العليل يداعب الاغصان فيها، وصفاء السماء توحي بقرب اندحار الاحتلال، كانت نابلس على موعد مع ميلاد طفل جميل، رضع العزة والاباء مع حليب امه، انه ميلاد الشهيد عمر منصور سعيد منصور.
وُلِد الشهيد عمر منصور في مدينة نابلس في العام 1970 ، و التحق بمدارسها حاصلاً على شهادة الثانوية العامة بمعدل أهله لدخول جامعة النجاح الوطنية، ليختار التخصص الذي طالما حلم به، فدخل كلية الشريعة لينهل من العلم الشرعي ما يقيم به بنيانه لينطلق داعيا الى الله تعالى، ومحصنا في وجه الاحتلال الذي تجرع مرارته منذ ان خطى أولى خطواته على ارض فلسطين.
وسارت مسيرة حياته يرعاها الله تعالى، ولكن الاحتلال الصهيوني الذي لا ينفك ان يجرع ابناء الشعب الفلسطيني المرارة أبى ان يتم الشاب السعيد بتخصصه دراسته، فاجتالته يد الصهاينة وأودعته السجون لا لذنب اقترفه إلا أنه كان يأبى الاحتلال ويعمل على كشفه وتعريته من خلال عمله في الكتلة الاسلامية وحركة المقاومة الاسلامية حماس.
الشهيد والحياة
بعد خروج شهيدنا من السجون الصهيونية احترف العمل في مهنة تجليس السيارات، بالاضافة إلى ابداعه في صنع مجسمات قبة الصخرة المشرفة، تلك المهنة التي تعلمها من اخوانه داخل السجون، لتكون رمزا على عمق حب القدس وتجذرها في القلب ورسوخها في الوجدان، ولتكون حافزا للجيل الصاعد أن يعمل لتحريرها ويجود بالنفس والدماء في سبيل عزها وعودتها من أيدي الطغيان.
الشهيد الحيي
عُرِف شهيدنا بدماثة خلقه و حيائه و تواضعه بين إخوانه ما جعله محبوباً لديهم، حيث كان يهب الغالي والنفيس في خدمة إخوانه والسهر على راحتهم، وكان كل من يراه يحبه ويدخل القلب منذ الوهلة الاولى، وهكذا هم عباد الله وأحباؤه، كان كثير الدعاء أن يرزقه الله الشهادة، وما ان يسمع عن شيخ صاحب فضل الا واقبل اليه راجيا ان يدعو له بالشهادة في سبيل الله.
ومن شدة تعلق نفسه بالشهادة رجا والدته أنْ تدعو له أن يظفر بها عند أستار الكعبة قائلاً في وداعها للحجّ : "طلبي الوحيد يا أمّي أن تدعي لي بالشهادة عند الكعبة".
الاعتقال عند السلطة
هذه النوعيات من الشباب لا تروق لمن رهن نفسه في فكاك التنسيق الامني، فكان حظ الشهيد من الاعتقال عند السلطة الفلسطينية كحظ اخوانه المجاهدين ورفيق دربه ابن عمه القائد الشهيد الشيخ جمال منصور، فتم اختطافه وايداعه في سجن الجنيد في نابلس ليذوق مرارة السجن على يد ذوى القربى ولسان حاله يقول:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
ليمكث السنة تلو الاخرى معانيا من اشكال التعذيب التي تفنن ابطال التنسيق الامني بابداع فصولها، ليمن الله عليه وعلى اخوانه بالفرج عام 2000م بعد اندلاع انتفاضة الاقصى المبارك، خارجا من عرينه رافعا رأسه، وقويا عزمه للانطلاق من جديد في مقارعة شذاذ الافاق، ليعيد للقضية عنوانها، ولفلسطين عروبتها واسلاميتها، وللاقصى الحزين بسمته.
موعد الشهادة
يوم الثلاثاء 31/7/2001م كانت نابلس على موعد ليس ككل المواعيد، بدا اليوم هادئا وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، عصافير الصباح زقزقت معلنة بانبلاج الفجر، ولكنه فجر يوم الشهادة، دقت الساعة الثانية عشرة ولكنها دقات قد سمعها كل اهل المدينة وهرعوا خارجين من بيوتهم ليعرفوا ما خطب تلك الدقات، انها دقات قد صمت الاذان، وسرعان ما عرف السبب انها دقات من صتع الاحتلال، دقات صادرة من مئات المتفجرات التي تحملها صواريخ الغدر، انها صواريخ الاغتيال لخيرة الاهل والاصحاب، انها عملية استشهاد الجمالين، ومعهم الحبيب القريب عمر المنصور، وهكذا صعدت روحه الى الله تعالى فرحة باللقاء الذي طالما عشقته وسألت الآخرين ان يدعو الله تعالى ان تناله.
فرحمك الله تعالى أيها الشهيد الحيي والدمث التقي يوم فارقتنا لم يبق دمع في العيون، ففراقك صعب لا يهون، وذكراك في القلب كنز مصون، وشوقنا لك لا تحده الحدود حتى نلقاك باذن الله في جنة دانية الغصون.