لجنة أبناء فلسطين في كلية دار العلوم، وهم: صالح أبو أصبع، المرحومة شاهيناز استيتية، عز الدين المناصرة، نبيل خالد الأغا
قلبي منغمس في قضيتين رئيسيتين هما: القضية الوطنية، والقضية الإسلامية، لا أفرق بينهما، ونادرا ما يحيد القلم عنهما، وانطلاقا من هذا المبدأ، تابعت باهتمام وقائع مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في القاهرة بتاريخ 1964/1/13م أثناء دراستي بالكلية الدرعمية «نسبة لدار العلوم»، وذلك استجابة لدعوة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، لمواجهة الموقف الخطير الناجم عن عزم إسرائيل تحويل مياه نهر الأردن حيث قرر الأقطاب العرب في نهاية المؤتمر «العمل على إبراز الكيان الفلسطيني الذي ظل حتى ذلك التاريخ منضويا تحت لواء جامعة الدول العربية حتى بعد النكبة الكبرى، وتعاقب على تمثيل فلسطين في الجامعة كل من السادة: موسى العلمي، أحمد حلمي عبدالباقي، أحمد أسعد الشقيري.
لجنة أبناء فلسطين في كلية دار العلوم، وهم: صالح أبو أصبع، المرحومة شاهيناز استيتية، عز الدين المناصرة، نبيل خالد الأغا
وأصدر المؤتمر في نهاية أعماله قراراً بـ «انشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة شعب فلسطين، وتمكينه من تحرير وطنه، وتقرير مصيره».
وبنفس درجة الشغف والحماس، تابعت وقائع المؤتمر الفلسطيني الأؤل الذي عقد بعد عدة شهور من مؤتمر القمة العربي في مدينة القدس بتاريخ 1964/5/28م وهي المرة «الأولى» و«الأخيرة» التي شهدت وقائع المؤتمر الفلسطيني، وتم الإعلان رسميا فيه عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخاب السيد أحمد أسعد الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية، وإنشاء جيش التحرير الفلسطيني.
ومعلوم أن «أبا مازن» (عاشت الأسامي) محام بارع، وخطيب مفوه، ومتحدث لبق ومتحمس أبدا (1907-1980) وكانت القاهرة مقرا لإقامته وحظي بتأييد مطلق من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر (1918-1970)، وعمل قبيل توليه هذا المنصب مندوبا لسوريا ثم السعودية، بهيئة الأمم المتحدة بنيويورك.
وتماهيا مع المد القومي الجارف الذي كان سائدا في تلك الآونة اتفق أعضاء «لجنة أبناء فلسطين بالكلية» على دعوة الرئيس الشقيري لحضور مهرجان وطني بمناسبة إعلان تأسيس المنظمة، ومشاركته بخطاب مباشر، جدير بالذكر أن أعضاء اللجنة هم: عز الدين المناصرة، صالح خليل أبو اصبع، شهناز استيتية، نبيل خالد الآغا.
وتكفلت بالاتصال بالسيد الشقيري، وإبداء رغبتنا بزيارته لإطلاعه على مبادرتنا.
واتصلت به من هاتف عمومي وعرفته بنفسي وبالمهمة التي نحن بصددها فرحب بمودة ظاهرة.
وفي الموعد المحدد توجه أربعتنا لمقابلته في مقر المنظمة بحي الدقي، واستقبلنا بحفاوة بالغة، وقدمنا له أنفسنا واحداً اثر واحد.
وكان حريصا على معرفة المدن التي ننتمي إليها، وعندما ذكرت له اسمي واسم مدينتي الأثيرة خان يونس، أطرى اطراء حميدا على نضالها خاصة إبان العدوان الثلاثي علي مصر ١٩٥٦، وفي نهاية اللقاء اتفقنا على موعد محدد لحضوره الى الكلية، وخرجنا من مكتبه ونحن في حالة حبور وانتشاء لافتين، وطبعنا عشرات الدعوات ووزعناها، وكما نشرنا اليافطات على اتساع الكلية، وقبل الموعد المحدد لعقد المهرجان بيومين توجهنا سويا الى غرفة عميد الكلية الدكتور محمود قاسم، وقدمنا له بطاقة الدعوة لتشريفه الحفل. وليكون في مقدمة مستقبلي رئيس المنظمة، ففوجئنا بما لم يكن في حسباننا، إربدَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، وصرخ فينا مغاضبا: من أعطاكم الإذن بإقامة الحفل؟ أنا لست «طرطوراً» في هذه الكلية حتى أكون آخر من يعلم، وكان يجب عليكم أيها «الفصحاء» الحصول على إذني قبل أن تشرعوا في الدعوة للحفل الذي لن أسمح أبداً بإقامته في هذه الكلية!
فأسقط في أيدينا، وتصببنا أسفا وخجلا، واعتذرنا بشتى الطرق، لكنه أغلق علينا كل الأبواب والنوافذ، بل وجه إلينا كلاما نابيا، وخرجنا من مكتبه محزونين مكتئبين.
ووقفنا في إحدى زوايا الكلية نناقش الكيفية التي سنعتذر فيها للرئيس الشقيري بشأن رفض العميد وإلغاء الحفل، وتنصل الزملاء من المهمة وأسندوها لي باعتباري اتفقت معه منذ البداية، ولم أجرؤ على مقابلته في مكتبه، فاتصلت به هاتفيا، ووضعته أمام الصورة بحذافيرها وأنا أرتجف خجلا وأتلعثم أسفا، لكنه رحمه الله كان أكثر وعيا وإدراكا، فقدّر موقفنا فلم يلمنا أو يؤنبنا بل قال بلغة ناصعة، ونبرة قوية: لا تثريب عليك يا ابن خان يونس الشجاعة .. موعدنا غدا في يافا أو حيفا، وليس في القاهرة أو عمان.
وهكذاخرجنا من هذا المأزق المحرج والذي حملنا فيه أنفسنا المسؤولية الكاملة لكل ما حدث، لكن الدرس كان قاسيا بكل معاني القسوة!