في مدينة يافا تمكن السكان الكنعانيين من التوصل لصيغة من التعايش المشترك مع العناصر الإيجية الوافدة إليهم من جزر اليونان، وبذلك أصبحت مدينة يافا بمثابة ملتقى للمدنيات في الشرق الأوسط من مصرية وفينيقية وإغريقية تركت آثاراً حضارية واضحة في المدينة ومعتقدات أهلها وفنونهم، ويبدو أن التأثير الكنعاني الحضاري قد أنسى الفلسطينيين الإيجيين لغتهم الأصلية فاستخدموا اللغة الكنعانية وورثوا عاداتها تقاليدها وديانتها، وبقيت يافا على هذه الحالة حتى ذاب الإيجيون في الحضارة الكنعانية بينما اندثر اليهود في فلسطين مع طغيان الحكم الآشوري .
وبمرور الزمن ضعف النفوذ الآشوري في فلسطين بشكل عام وفي يافا بشكل خاص ، الأمر الذي شجع اليهود من بني إسرائيل لمحاولة استرداد مكانتهم فيها ، ولكن الغزو البابلي / الكلداني ذهب بمحاولاتهم أدراج الرياح ، وبعدها سقطت يافا وكل المدن الفلسطينية الأخرى في قبضة الفرس في الفترة من ٤٤٤- ٣٣٢ ق.م عندما استطاع الاسكندر الأكبر المقدوني غزو فلسطين وبلاد الشام ودحر الفرس منها .
وتشير الأدلة التاريخية إلى أن مدينة يافا حظيت برعاية واهتمام خاص في العصر اليوناني الهلينستي، وقد ترك اليونان آثاراً واضحة المعالم في المدينة بعد أن استوطنت فيها جالية يونانية عملت على تجديد أسوارها وترميم منشآتها وإعادة بنائها وفق الأنماط الحضارية اليونانية وذلك بدمج الآلهة اليونانية القديمة بالآلهة الكنعانية التي كانت موجودة بالمدينة، ومن جهة أخرى عمل الإغريق على إنشاء دار لسك العملة والنقود في يافا حرصاً منهم على ربط المدينة بالاقتصاد اليوناني الإغريقي ، وبعد موت الاسكندر الأكبر بقيت مدينة يافا بين مد وجزر
بسبب الصراع بين البطالمة والسلوقيين إلى أن تمكن بطليموس الأول من فرض سيطرته على عموم فلسطين ٣٠١ ق.م ، واستمر حكمهم فيها حتى العام ١٩٨ ق.م لتبدأ بعدها مرحلة الحكم السلوقي ليافا وفلسطين والتي استمرت حتى العام ٣٦ ق.م .
والواقع أن مدينة يافا احتلت مكانة اقتصادية وثقافية مرموقة في العصر الهلينستي حيث اهتم بها كل من البطالمة والسلوقيين وجعلوها إحدى القلاع الهلينستية الرئيسية في شرق المتوسط ، ومع ظهور الديانة المسيحية، وبداية حكم الرومان لفلسطين نشط في مدينة يافا القديس بطرس (من حواريي المسيح عليه السلام) وقد نزل ضيفاً على بيوت أحد سكان مدينة يافا ويدعى سمعان الدباغ، وكانت له حادثة مشهورة عندما أعاد الحياة لفتاة فلسطينية من يافا تدعى طابيثا بعد موتها فآمن به عدد كبير من أهل يافا، ودخلوا في الدين المسيحي –(سفر أعمال الرسل /الإصحاح العاشر ٩- ١٦ ) - ، وأصبح بيت سمعان الدباغ في منطقة الطابية في البلدة القديمة بيافا وقبر طابيثا في مدخل يافا الشرقي من أهم المزارات الدينية المسيحية.
فمع سقوط يافا تحت الحكم الروماني / البيزنطي فيما بعد ٦٣ ق.م ، شهدت المدينة موجة من الاضطرابات وتعرضت أكثر من مرة للحرق والتدمير، ويعود ذلك في حقيقة الأمر لنشاط الجالية اليهودية فيها حيث كانت تثير الفتن والقلاقل في وجه الحكام الرومان من آن لآخر وتتحالف مع البعض ضد آخرين، ومع دخول يافا العصر البيزنطي ٣٢٤- ٦٣٦ م أصبحت الميناء الرئيس لفلسطين الذي يستقبل الحجاج المسيحيين إلى بيت المقدس، وأصبحت المدينة فيما بعد مركزاً لأسقفية تابعة لبطريركية القدس وقد ساعد هذا على انتعاش المدينة في العصر البيزنطي/ المسيحي. أما من الناحية الثقافية للمدينة فكانت اللغة اليونانية فيها تمثل لغة العلم والأدب والتجارة، بينما بقيت اللغة الرومانية هي اللغة الرسمية لإدارة المدينة وأحتفظ أهلها باللغة الآرامية والعربية فيما بينهم .
مدينة يافا والفتح العربي الإسلامي:-
فتحت يافا أمام العرب المسلمين في عهد الخليفة الراشد الثاني / عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى يد القائد المسلم عمرو بن العاص الذي فتحها عام ١٥ هـ ٦٣٦ م ، فبعد معركة اليرموك الشهيرة بين العرب والروم عرض أهل المدن من ساحل لبنان وفلسطين على عمرو بن العاص طواعية رغبتهم في الصلح والأمان ، ولم تتعرض مدينة يافا أثناء فتحها إلى أي تدمير أو تخريب كما جرت العادة في عصور سابقة ، وفي العهد الأموي تمتعت يافا بالاستقرار والتطور، وبرزت شخصية المدينة في المجالات الحضارية والعمرانية والاقتصادية، وتعززت مكانتها مع اعتناق أهلها للدين الإسلامي وتداول اللغة العربية ، خصوصاً بعد تعريب لدواوين في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وأثناء حكم الخلافة العباسية والتي استمرت زهاء الخمسة قرون بدأت الأهمية الاقتصادية والتجارية ليافا تظهر بوضوح ، كما تأثرت المدينة بنهضة عمرانية واسعة أيام الطولونيين والإخشيديين ومن بعدهم الفاطميين ، وفي العهد الفاطمي تعرضت يافا لنكبة القرامطة الذين حاصروا المدينة براً وبحراً وأشاعوا فيها الدمار والخراب بعد هزيمة الفاطميين وفي تلك الفترة بدأت المدينة تفقد أهميتها تدريجياً خصوصاً بعدما غزاها الترك السلاجقة واستمر الصراع على المدينة عقوداً طويلة.
ومع بداية الحملة الصليبية الأولى ١٠٩٩ م تعرض ميناء ومدينة يافا للحصار والتدمير ومع دخول الصليبيين للمدينة بدأ العمران والتحسين يعود إليها تدريجياً ، وفي العام ١١٩٠ شعر السلطان صلاح الدين الأيوبي بقدوم حملات صليبية أخرى تستهدف فلسطين فأمر بهدم وتدمير مدن الساحل (يافا ، قيسارية ، أرسوف) وغيرها من المواقع الإستراتيجية الهامة فدخلها الملك ريتشارد قلب الأسد فوجدها خربة مهدمة تكاد تخلو من ساكنيها، فشرع بإعادة بنائها وترميم حصونها إلا أن السلطان صلاح الدين أعاد هجومه على المدينة وتمكن من انتزاعها في العام ١١٩٢ م ، ولكن الصليبين لم يستسلموا للهزيمة في هذا الموقع الهام وتمكنوا بمساعدة ٥٠ سفينة حربية من استردادها مرة أخرى لتخضع يافا من جديد لحكم الصليبيين.
ومع نهاية لحملة الصليبية السادسة ١٢٦٥ م تابع القائد المملوكي الظاهر بيبرس سياسة سلفه السلطان الناصر صلاح الدين في كفاحه ضد الصليبيين فعمل على تطهير بلاد الشام منهم ، وتمكنت قواته من اقتحام قلعة مدينة يافا مارس ١٢٦٨ م ، وأمر بعدها ببناء مدينة يافا من جديد ، مما شجع على عودة سكانها لتبدأ المدينة باستعادة أهميتها ومكانتها .
وبعد انهيار الحكم المملوكي دخلت فلسطين تحت السلطة العثمانية واستسلمت مدن فلسطين الرئيسية، ومنها مدينة يافا للحكم التركي العثماني دون مقاومة ، حيث استمر الحكم العثماني لمدينة يافا وسائر أقطار العرب والمسلمين لنحو أربعة قرون، وقد شهدت مدينة يافا تحت الحكم العثماني أحداثاً جسام نوجزها كما يلي :-
*- في العام ١٦٢٤ م عين السلطان اللبناني الأمير اللبناني / فخر الدين المعني الثاني أميراً على بلاد الشام من حلب حتى رفح ، وينسب إليه اهتمامه بالعمران في يافا ، حيث قام بترميم قلعة المدينة وسورها ، كما عمل على تحسين الميناء الخاص بها .
*- في العام ١٧٧١ م خضعت يافا لسيطرة القائد محمد بك أبو الذهب الذي حكم يافا بأمر من والي مصر علي بك الكبير ولكن المدينة لم تستسلم بسهولة مما عرض سكانها فيما بعد للتنكيل والمذابح ، وفي العام ١٧٧٥ م جرد أبو الذهب ليافا حملة كبيرة لتخليصها من يد حاكم محلي يدعى ظاهر العمر وقد استبسل سكانها في الدفاع عنها، وكانت النتيجة مجزرة رهيبة وقعت في المدينة راح ضحيتها أكثر من ١٢٠٠ قتيل وضعت جماجمهم على شكل هرم أمام الغازي محمد بك أبو الذهب .
*- في العام ١٧٩٩ م والذي يعد من أسوأ الأعوام في تاريخ مدينة يافا ذلك بعد المقاومة العنيفة الباسلة التي خاضها أهل يافا إبان تصديهم للحملة الفرنسية بقيادة بونابرت على مصر والشام ، ومع أول أيام عيد الفطر من العام ١٧٩٩ م قام الجنود الفرنسيين باقتراف مذبحة رهيبة في مدينة يافا راح ضحيتها أكثر من ٦٠٠٠ شخص من الشيوخ والنساء والأطفال ، مما أدى لتفشي وباء الطاعون بعد ذلك والذي كان من أبرز الأسباب في اندحار الفرنسيين عن مدينة يافا .
*- في العام ١٨٠٧ م عين سليمان باشا والي عكا محمد باشا أبو نبوت والياً على مدينة يافا وغزة والذي يعد من أشهر الولاة في تاريخ المدينة ، حيث خلف آثاراً معمارية خالدة في المدينة باقية حتى يومنا هذا .
-* ١٨٣١م أصبحت مدينة يافا تحت حكم الأسرة العلوية في مصر والشام، وقد شهدت المدينة في تلك الفترة رواجاً تجارياً كبيراً خصوصاً في تصدير الصابون والحبوب والحمضيات إلى دول أوروبا .
-* ١٩١٣م شهدت المدينة نشاطاً تجارياً متزايداً وبلغت صادراتها ووارداتها مئات الألوف من الجنيهات ، أما على المستوى الثقافي فقد بلغ عدد مدارسها ٢٠ مدرسة إضافة لمكتبة جامع يافا الكبير .
النشاط الاقتصادي والثقافي والعمراني في مدينة يافا قبل النكبة :-
أولاً فيما يخص النشاط الاقتصادي للمدينة :-
عرفت مدينة يافا الزراعة منذ القدم واحتلت زراعة الحمضيات النصيب الأوفر منها ونظراً لارتفاع العائد من وراء زراعتها تم توسيع الرقعة الزراعية المخصصة لها والعناية بها بإتباع الأساليب الحديثة في فلاحة وري الأراضي ، كما توسعت يافا في زراعة الحبوب والفول والزيتون والخضراوات بأنواعها وكذلك أشجار وبساتين الفاكهة حيث اشتهرت يافا ببرتقالها الذي كانت تصدره للخارج منذ القدم ، وبلغ مجموع ما تم تصديره من الحمضيات عبر ميناءها ١٥٣٠٠ صندوق للعام ١٩٣٥ م . وقد واكب ذلك نهضة صناعية من خلال اعتماد صناعات وحرف بالمدينة ، فعرفت يافا صناعة الزيوت والورق والصناعات المعدنية من سكب وإعادة تصنيع الحديد والمخارط التي تركزت فيها بشارع الدرهلي الشهير وكذلك الصناعات النحاسية التي تركزت في سوق النحاسين بالبلدة القديمة ،كما نمت في مدينة يافا صناعة ودبغ الجلود والتي كان مركزها قرب العجمي على شاطئ البحر ، وأيضاً صناعة النسيج اليدوي إلى أن أنشئ أول مصنع للنسيج فيها بالقرب من بلدة بيت دجن وقد عرف باسم المصنع الذهبي للغزل والنسيج ، وقد عرفت المدينة صناعات متعددة أخرى وقطعت فيها شوطاً طويلاً مثل صناعة الزجاج ، وصناعة السجائر ، وصناعة الأخشاب التي أتقنها اليافيون وأبدعوا فيها ، وظهرت في المدينة المطاحن الكبرى التي يقع معظمها شمال المدينة على طريق يافا / تل أبيب ، وكذلك صناعة مواد البناء مثل الطوب وصناعة الصابون والمواد الغذائية مثل المعكرونة والمربى والحلويات والمياه الغازية ، بالإضافة لصناعة المشغولات الذهبية التي تركزت في حي الصاغة بالمدينة.
وقد بلغ عدد الورش والمصانع في يافا فبل نكبة ١٩٤٨ م ما يزيد عن ١٦٦ مؤسسة صناعية تركزت معظمها في شارعين أساسيين بالمدينة هما : - شارع الدرهلي الممتد من منطقة السكك الحديدية شمالاً وصولاً إلى شارع جمال بك جنوباً حيث تكثر فيه الصناعات الميكانيكية وصيانة السيارات ، وشارع يافا/القدس الذي تتجمع فيه العديد من المنشآت الصناعية .
ومع تطور قطاعي الزراعة والصناعة في مدينة يافا تطور النشاط التجاري فيها حيث ظل ميناء المدينة أهم مراكز الملاحة في فلسطين إلى أن شاطره ميناء مدينة حيفا هذه الأهمية بعد إنشائه وكانت أبرز الأنشطة التجارية /البحرية للمدينة تتمثل في صيد الأسماك واستخدام الفن الشراعية والتجارية للتنقل داخل وخارج المياه الإقليمية للمدينة، وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية تم تطوير ميناء يافا وتوسيع وبناء أرصفة جديدة له حيث بلغت واردات ميناء يافا ٧،٧ مليون جنيه إسترليني وبلغت صادراته ١،٢٥ مليون جنيه للعام ١٩٣٤ م ، وقد احتلت عوائد الحمضيات النصيب الأكبر من صادرات المدينة ، ومن أبرز الأسواق التجارية للمدينة سوق اسكندر عوض –بطرس الممتد ما بين سراي الحكومة وسط البلدة القديمة إلى الطرف الجنوبي منها وقد انتشرت فيه محلات البقالة والحياكة والصيدليات والبنوك ، أيضاً اشتهر في المدينة سوق البلابسة الكائن بالقرب من الجامع الكبير ويعد من أقدم أسواق المدينة حيث تنتشر فيه تجارة الأقمشة ، كما عرف في يافا أسواق أخرى مثل سوق الصلايحي الخاص ببيع المواد التموينية وسوق الدير المشهور بتجارة الحبوب والغلال وسوق الكرمل للخضراوات وسوق النحاسين الذي يعتبر المركز التجاري الأقدم لمدينة يافا .
وترتب على تطور النشاط التجاري في مدينة يافا قيام المؤسسات المصرفية والبنوك التي كان أشهرها بنك باركليس الإنجليزي والذي كان البنك الرسمي المعتمد لدى سلطات الانتداب ، وبنك دي روما الإيطالي ، والبنك الألماني وهو أقدم بنك أقيم في مدينة يافا ، ومن أبرز البنوك العربية بنك الأمة التابع لمؤسسة أحمد حلمي والأوقاف الإسلامية والبك العربي التابع لمؤسسة عبد الحميد شومان .
الجدير بالذكر أن الأنشطة النقابية في مدينة يافا كانت تسير بالتوازي مع التطور الاقتصادي للمدينة ومن أبرز النقابات في المدينة مقر نقابة العمال الرئيسي والتي كان لها فروع في المدن الفلسطينية الأخرى.
ثانيا النشاط الثقافي والعمراني في مدينة يافا :-
كان المجال التعليمي والمجال الصحفي أبرز الأنشطة الثقافية في مدينة يافا فمن الناحية التعليمية انتشرت في المدينة المدارس بأنواعها سواء حكومية أو أهلية ، وفي العام الدراسي ١٩٤٢- ١٩٤٣ م بلغ عدد المدارس في / المدينة ٤٩ مدرسة ضمت ١٠٦٢١ طالباً وطالبة و ٣٢٣ معلماً ومعلمة على النحو التالي :- تسع مدارس حكومية منها أربعة مدارس ثانوية للبنين هي المدرسة العامرية ، الأيوبية، حسن عرفة، المنشية ،وجميعها توفر التعليم حتى الصف الرابع الثانوي وأربعة مدارس للبنات هي مدرسة العجمي ، والعجمي الجديدة ، ومدرسة المنشية ومدرسة الزهراء يتوفر فيها التعليم حتى الصف الأول الثانوي ، وهناك ٤١ مدرسة تتبع مؤسسات وطنية وأجنبية منها ٢٤ مدرسة تتبع مؤسسات إسلامية و ١٧ مدرسة تتبع مؤسسات دينية مسيحية، ومن مظاهر النشاط الثقافي في مدينة يافا انتشار المكتبات العامة والخاصة في معظم أحياء المدينة ومنها مكتبة فلسطين العلمية والمكتبة العصرية في شارع بطرس ، ومكتبة الطاهر في شارع جمال باشا ومكتبة عبد الرحيم في وسط المدينة كما انتشرت المكتبات في الأندية الرياضية والاجتماعية للمدينة .
أما عن النشاط الصحفي لمدينة يافا فقد كان له تأثيراً كبيراً على سير مجريات الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها إذ تنوعت المطبوعات بين صحف ومجلات يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية بما يؤكد على مدى الوعي الثقافي والسياسي لمدينة يافا ، ومن جهة أخرى عملت سلطات الانتداب البريطاني على مصادرة وإغلاق الكثير من الصحف والمجلات التي كانت تعبر عن اتجاهات مناهضة لسياسة الاستعمار في فلسطين ، وقد بلغ عدد الصحف والمجلات الصادرة والمطبوعة في مدينة يافا قبل النكبة ٣٥ صحيفة ومجلة ، كان أبرزها جريدة النشرة التجارية الصادرة عن الغرفة التجارية لمدينة يافا وجريدة الصراط المستقيم التي اتخذت اتجاهاً إسلامياً ، وجريدة الجامعة الإسلامية التي ضمت عدداً كبيراً من الكتاب والمحررين وكان لها مطابعها الخاصة وتصدر يومياً ، وجريدة الكفاح الناطقة بلسان حزب شباب فلسطين ، وجريدة الدفاع وكانت جريدة سياسية مستقلة، ومن أبرز المجلات كانت مجلة الفجر التي كانت أبرز المجلات الأدبية في فلسطين، ومجلة العهد الجديد ومجلة أنصار الثقافة ومجلة الحياة الرياضية ،وغيرها الكثير من الصحف والمجلات التي استمرت في الصدور وتوقفت بعد ذلك قبل أو مع نكبة فلسطين ١٩٤٨ م .
ومن أبرز مظاهر النشاط الثقافي في مدينة يافا ظهور إذاعة الشرق الأدنى العربية والتي كانت تركز على الآداب والفنون، وقد بقي مقر الإذاعة في يافا حتى العام ١٩٤٦ م ، وانتقلت للبث بعد ذلك من مدينة القدس إلى أن حلت نكبة فلسطين لتنتقل الإذاعة بعد ذلك إلى ليماسول بقبرص، وقد أتاحت هذه الإذاعة الفرصة لنمو بيئة الفن والفنانين في مدينة يافا كما عملت إذاعة الشرق الأدنى على استضافة كبار الأدباء والمفكرين أمثال عباس العقاد ، ود. طه حسين ، وعلي الجارم وغيرهم من نوابغ الأدب والفن ، كانت يافا في هذه الفترة ملتقى للمشاهير من المطربين الكبار والممثلين الذين زاروا مدينة يافا بدعوة من الإذاعة أمثال / محمد عبد الوهاب ، والسيدة أم كلثوم ، والسيدة ليلى مراد ، وفريد الأطرش وغيرهم ، وقد زارها من كبار الممثلين / يوسف وهبي ، وفاطمة رشدي وزكي طليمات وغيرهم ، كما زارها مشاهير قراء تلاوة القرآن الكريم مثل / الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، ومحمود السنديوني ، والشيخ أبو العنين شعيشع .
ومن أبرز الأنشطة التي واكبت النهضة الثقافية لمدينة يافا انتشار الأندية الرياضية والاجتماعية وكذلك الجمعيات الأهلية التي كانت تحرص على عقد المناظرات العلمية والأمسيات الشعرية والندوات والمحاضرات السياسية ، ومن أبرز الأندية في مدينة يافا النادي العربي الثقافي ، ونادي الشبيبة الإسلامي ، وجمعية الإخوان المسلمون ، ونادي الكشافة المتجول، والنادي الأرثوذكسي ، كما انتشر في المدينة عدد من الفنادق الحديثة والتي ظلت قائمة حتى ١٩٤٨ م مثل فندق كليف هوتيل بحي العجمي، وفندق رمسيس في شارع يافا/القدس وغيرهم وأيضاً انتشر في المدينة عدد من المقاهي والمسارح والمنتزهات ودور السينما الكبيرة مثل سينما الحمرا، والشرق، وأبولو .
أما عن مستوى الخدمات والبنية التحتية للعمران في مدينة يافا فقد كانت الأنشطة تدار من خلال مجلس بلدية مدينة يافا حيث تتوفر خدمات الكهرباء والماء في معظم أنحاء المدينة ، حيث تشرف البلدية على مصادر المياه في المدينة وتعمل على ضمان توصيلها من خلال شبكة خاصة للمياه تتم تغذيتها من الآبار الارتوازية والأمطار ونهر الجريشة الواقع شمال المدينة، حيث يتم تجميع المياه العذبة في منطقة الملك فيصل بحي النزهة، ثم في حي الحلوة بمنطقة العجمي ثم في المدينة القديمة ومنطقة السوق ، وفيما يخص تزويد المدينة بخدمات الكهرباء والإنارة فقد نسقت البلدية لذلك من خلال شركة نوتنبرغ الواقعة إلى الشمال من مدينة بجوار تل أبيب .
وبخصوص حركة السير والمواصلات في مدينة يافا فقد تمتعت المدينة بشبكة ممتازة من الطرق الداخلية والخارجية حيث ترتبط أحياؤها بشبكة من الطرق الداخلية المعبدة ، وأيضاً ترتبط المدينة ببقية مدن فلسطين بشبكة أخرى من الطرق الخارجية .
ففي الداخل حظيت المدينة بشركتين للنقل العام / الباصات حيث يتم نقل الركاب داخل المدينة بواسطة الحافلات بالإضافة لشركتين لسيارات الأجرة (التاكسي) .
أما شركات النقل الخارجي فكانت خمسة شركات للنقل العام (باصات) تنقل الركاب إلى المدن والأقطار المجاورة وهناك شركتين للتاكسي تعمل في نفس الإطار بالإضافة لمحطات السكك الحديدية والتي يتفرع منها خطان رئيسيان أحدهما يصل إلى مدينة طرابلس شمال لبنان ، والآخر يتجه جنوباً حتى الحدود المصرية .
مدينة يافا معالم ، وأعلام :-
ضمت مدينة يافا بماضيها العريق الكثير من المعالم التاريخية الهامة التي تشير إلى تراثها وحضارتها الإنسانية التي ولدت مع المدينة منذ أمد بعيد ، وتكثر بها ، وحولها الشواهد التاريخية التي تؤكد على عراقة تراثها العربي الإسلامي الأصيل ، فمن أبرز المعالم الإسلامية فيها المسجد لكبير أو ما يعرف ( بمسجد حسن بك ) الذي يقع وسط البلدة القديمة ، ويتكون من طابقين ويمتاز بضخامته ، ويلحق بالمسجد سبيل للماء العذب يعرف بسبيل المحمودية ، أما أقدم الآثار المعمارية المسيحية في يافا فكانت كنيسة القلعة إلى الجوار من المسجد الكبير في البلدة القديمة ويوجد بجوارها دير حيث تتبع كل من الكنيسة والدير لطائفة المسيحيين الكاثوليك .
وهناك تل جريشة الواقع شمالي المدينة في منطقة تشرف على نهر الجريشة وتمتاز هذه المنطقة بموقعها الساحر ، حيث تعود سكان المدينة على الاستجمام فيها وزيارتها في الأعياد والأجازات حيث تنتشر البساتين
والكروم والأشجار الكبيرة ، أما تل الريش فيقع شرق مدينة يافا ويبلغ ارتفاعه نحو ٤٠ قدم ، ويمتاز ببيارات البرتقال وتحيط به المباني الحديثة.
ومن أبرز معالم مدينة يافا منطقة أرض البصة ، وهي أرض منخفضة في الوسط من شرق مدينة يافا، وتقع بها خزانات المياه العذبة ، كما يوجد بها الملعب الرياضي الرئيسي للمدينة حيث تقام المهرجانات الرياضية
فيه.
وتقع ساحة ميدان الساعة أو ما يعرف بساحة الشهداء في وسط المدينة وإلى جوارها يقع مبنى سراي الحكومة والجامع الكبير والبنوك ، وتتصل هذه الساحة بالطرق الرئيسية للمدينة ، وفي وسط هذه الساحة يوجد برج كبير يحمل ساعة كبيرة ، وقد شهدت هذه الساحة مناسبات وطنية عديدة ، وعلى ثراها سقط الكثير من الثوار شهداء وجرحى فاستحقت اسم ساحة الشهداء .
الجدير بالذكر أن المعالم والمزارات التاريخية للمدينة ارتبطت بعدد من المناسبات والأنشطة الاجتماعية التي كان يمارسها سكان مدينة يافا ، حيث تعود أهل يافا على الاحتفال بعدد من الأعياد والمواسم التي جاء أغلبها فصلي الربيع والصيف ، كما كان لجمال المدينة وطبيعتها الخلابة الأثر الكبير في توجه سكانها نحو النزهات والرحلات ، والتي كان أبرزها موسم النبي روبين ، حيث يقع مقام النبي روبين في الطرف الجنوبي من شاطئ المدينة بجوار مجرى نهر روبين ، وبهذه المناسبة يقوم العديد من السكان بأخذ احتياجاتهم اليومية والتوجه نحو الخيام المضروبة في المنطقة ويقضون فيها فترة حوالي الشهر على الكثبان الرملية الجميلة بجوار شاطئ البحر وبين الكروم والأشجار ، ويعود تاريخ هذه الاحتفالات إلى عهد السلطان الناصر / صلاح الدين الأيوبي والتي كانت تقام بهدف استعراض القوة أمام الصليبيين ، واستمرت عادة الاحتفال بمولد النبي روبين إلى قبيل نكبة فلسطين حيث يخرج سكان يافا والقرى المجاورة قضاء المدينة إلى مقام النبي روبين في احتفال ضخم تصاحبه الطبول والاستعراضات ، وعلى نفس الطريقة كان يقام موسم النبي يعقوب السنوي ، وذلك على شاطئ منطقة العجمي بالمدينة .
ومن أرز المزارات في يافا ما يعرف بالحمامات القديمة أو الحمام التركي والتي كانت تقع في المدخل الرئيسي للبلدة القديمة ، كما تعود أهالي مدينة يافا على زيارة المقابر القديمة ومنها مقبرة العجمي القديمة المعروفة باسم الكازخانة ، ومقبرة الشيخ مراد على طريق قرية سلمة ، وهناك البرية القديمة والتي تقع شمال البلدة القديمة والتي تعد أقدم المدافن الموجودة بالمدينة .
وكما اشتهرت مدينة يافا بمعالمها ومزاراتها التاريخية القديمة فقد خرج منها عبر تاريخها الطويل عدد من الأعلام في كل المجالات ، أثروا وتأثروا بمدينتهم وكان لهم علامات واضحة في صياغة تاريخها الحضاري والثقافي ، إذ أنجبت مدينة يافا الكثير من الأدباء والعلماء والشعراء والفقهاء البلغاء ، ومنهم عل سبيل الذكر لا الحصر العالم الجليل (أبو بكر الضرير) من بلدة بيت دجن اليافية المتوفى عام ٣٢٤ للهجرة وقد ترك رصيداً كبيراً من المؤلفات العلمية والأدبية ، والعلامة (الحسن بن علي اليازوري) المعروف بالوزير اليازوري، نسبة لبلدة يازور قضاء يافا ، وقد عرفه التاريخ بالحكمة والحزم في معالجة أزمات عصره عهد الخلافة الفاطمية، فتمكن من مواجهة المجاعات وقضى على الكثير من الفتن والثورات في عهده لدرجة أن وصل نفوذه لدى الخليفة
أن أمر بإقران اسمه إلى جانب اسم الخليفة على العملة الموجودة في عهده ، وكان للوزير اليازوري الفضل في تعريب بلاد المغرب الإسلامي والقضاء على حركة البربر الانفصالية أمام سلطة الخلافة الفاطمية ، فقد أجرى التدابير اللازمة لنزوح قبائل بني هلال وبني سليم وغيرها من القبائل العربية نحو بلاد المغرب .
ومن أعلام مدينة يافا الشيخ / ولي الله أبو الحسن علي بن عليل المتوفى ٤٧٤ هجرياً ، والذي تنسب إليه قرية الحرم التي عرفت بقرية (سيدنا علي) ، وكانت حياته مثاراً للبحث من قبل العلماء والمتصوفة حيث اشتهر بالتقوى والزهد والورع الشديد ، وبمرور الوقت أصبح ضريحه من أهم المزارات ، ومن نسبه يأتي ولي الله الشيخ/عجلين الواقع ضريحه جنوباً بمدينة غزة .
ومن أهم الأعلام في تاريخ يافا للقرن الثامن عشر والتاسع عشر الشيخ العلامة / أبو الوفا عمر بن محمد اليافي وقد ولد في مدينة يافا وأتقن حفظ وتجويد القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره ، ثم رحل إلى نابلس ومنها إلى مصر فتتلمذ على أيدي كبار العلماء والشيوخ في عصره ، ثم ساح في بلاد الشام والحجاز وأسس الطريقة الخلوتية للتصوف الديني ، وترك لنا تراثاً كبيراً من الرسائل والدواوين الشعرية ، وهناك الشيخ الشريف/ حسين سليم الدجاني ، المولود بمدينة يافا ١٧٨٨ م وقد التحق بالأزهر الشريف لتلقي العلم وقد درس الفقه الحنفي ، وتولى في يافا وظيفة الإفتاء على المذهب الحنفي وكان له إبداعاته في مجال التصوف وقد أفنى حياته في نشر العلم وكان أغلب شعره في مدح الرسول الكريم ، ومن أعلام يافا من أبناء الطائفة المسيحية في المدينة العالم/
فيليب بن يوسف الجلاد المولود بيافا ١٨٥٧ م من عائلة يافية مرموقة ، وقد عرف عنه دراسته للقانون وقد عمل موظفاً كبيراً في وزارة الحقانية (العدل) المصرية ، وللرجل مؤلفات عديدة منها موسوعة من ستة أجزاء باسم قاموس الإدارة والقضاء وقد ترجم للغة الفرنسية ، وكتاب التعليقات القضائية على قوانين المحاكم الأهلية .
وأيضاً هناك العالم/ عيسى العيسى المولود بمدينة يافا ١٨٧٨ م وقد تخرج من كلية الفرير بالمدينة ومن ثم التحق بمدرسة (كفتين) الأرثوذكسية بلبنان ثم واصل تعليمه العالي في الجامعة الأمريكية ببيروت، وقد أتقن اللغات التركية والإنجليزية والفرنسية ، وبعدها أنشأ جريدة فلسطين في يافا والتي كانت من أهم الصحف الساعية لكشف أبعاد المخطط الصهيوني في فلسطين ، ومن أهم المناصب السياسية التي تولاها أن عمل رئيساً للديوان الملكي للأمير/فيصل بن الحسين وقد ظل كذلك حتى دخول الاستعمار الفرنسي إلى سوريا وبعدها عاد من جديد
إلى مدينة يافا ليخوض صراعاً طويلاً من أجل تحرير الكرسي الأورشليمي الكنسي الذي كان قاصراً على الرهبان اليونانيين ، كما دعا إلى تحرير الطائفة العربية الأرثوذكسية ، وقد واصل نضاله السياسي والديني حتى نفيه إلى بيروت التي بقي فيها حتى وفاته ١٩٥٠ م .
هكذا حظيت مدينة يافا بأعلام كبار كان لهم دور بارز في تطور النهضة الثقافية للمدينة نذكر منهم (الدكتور يوسف هيكل ، والأستاذ/محمد أديب العامري الذي تولى أرفع المناصب في البلاط الأردني، والكاتب الشاعر/مصطفى درويش الدباغ ، والإعلامي الكبير/ إبراهيم الشنطي، والإعلامي الكبير / رشاد بيبي ، والكاتب القصصي / محمود سيف الدين الإيراني ، والشاعر/ محمود الأفغاني ، والكاتب الشاعر/ معاوية الدرهلي ،وأستاذ التاريخ الحديث الكاتب والمؤرخ / د. هشام شرابي ، وغيرهم مما لا يتسع المجال لسرد أسمائهم بينما بقيت أعمالهم باقية خالدة في تراث وتاريخ مدينة يافا .
مدينة يافا ومرحلة النضال الوطني :-
تبلورت الحركة الوطنية في فلسطين بشكل عام وفي مدينة يافا بصفة خاصة حول معارضة الهجرات اليهودية إلى فلسطين ، والنضال ضد سلطات الانتداب البريطاني الذي عمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد فرض صك الانتداب عليها ١٩٢٠ م ، وقد شهدت يافا في الفترة منذ ١٩١٧ م – ١٩٤٨ م كفاحاً وطنياً كبيراً أمام المخطط الصهيوني الاستعماري في فلسطين ، إذ بدأت المقاومة بأسلوب مقاطعة المحتل وعدم التعاون معه ، وتطور الأمر تدريجياً ليأخذ شكل المظاهرات السلمية وموجات الاحتجاج الجماهيري ثم تصاعدت المقاومة الفلسطينية مع تصاعد أساليب الاضطهاد والقمع ، فتم تشكيل التنظيمات السرية التي لجأت للمقاومة المسلحة فيما بعد .
ومن مدينة يافا في الأول من أيار مايو ١٩٢١ م انطلقت الثورة العربية ضد الاستعمار البريطاني الصهيوني ، حيث بدأت الثورة من حي المنشية في يافا المتاخم لمدينة تل أبيب ، وتركزت الثورة في الأماكن التي يتجمع فيها المهاجرين اليهود ثم امتدت لتشمل كل أحياء المدينة والقرى والبلدات التابعة لها ، واستمرت الهبة الشعبية مدة أسبوعين حيث رجحت فيها كفة العرب على اليهود ، إلى أن تدخلت سلطات الانتداب لقمع الثورة بكل وحشية ، ومن ثم فرضت على المناطق الثائرة غرامات باهظة ، وقد أسفرت هذه الأحداث عن قتل ٤٧ يهودي وجرح ١٤٦ آخرين ، بينما استشهد من العرب ٤٨ وجرح ٧٣ آخرين .
وعلى الفور شكلت السلطات البريطانية لجنة تحقيق قضائية تبحث عن أسباب ثورة أهل يافا وقد أقرت أن الدافع الرئيسي وراء ثورتهم كان من أجل كثافة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وفي العام ١٩٢٣ م عقد المؤتمر الفلسطيني السادس في مدينة يافا ، والذي تبنى رفض المعاهدة البريطانية /العربية المقدمة للشريف حسين ، وأكد على ضرورة إقامة حكومة فلسطينية نيابية مستقلة ، وفي العام ١٩٢٩ م اشتعلت الثورة المسلحة في مدينة القدس وتردد صداها على الفور في مدينة يافا ، خصوصاً بعد اقتحام اليهود لحي أبو كبير في المدينة وإقدامهم على قتل إمام المسجد وعائلته والتمثيل بجثثهم ، وعلى الفور بدأت سلطات الانتداب في قمع الثورة بكل عنف بعد إعدام كبار الثوار مثل فؤاد حجازي ، ومحمد جمجوم ، وعطا الزير ، وأجبرت عدد من ثوار مدينة يافا على الرحيل إلى مدينة الناصرة وفرضت عليهم هناك الإقامة الجبرية .
وفي أكتوبر ١٩٣٣ م اندلعت في يافا مظاهرات شعبية عارمة شارك فيها جموع من مختلف أنحاء فلسطين استجابة لمقررات المؤتمر العام الذي عقد في المدينة ، وعليه فقد خرجت من المسجد الكبير في يافا جموع غفيرة يتقدمهم السيد/موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية العربية ، فتصدت لهم القوات البريطانية ليسقط من المتظاهرين ٢٦ شهيد وأكثر من ١٨٧ جريح كان منهم السيد موسى الحسيني الذي توفي فيما بعد متأثراً بجراحه عن عمر يناهز ٨٣ عاماً .
ومع تطور الأحداث والصدامات أعلن الشيخ / عز الدين القسام الثورة المسلحة ضد اليهود في فلسطين ، ومن ناحية أخرى فرض المندوب السامي البريطاني قوانين الطوارئ والأحكام العرفية في مدينتي يافا واللد، وفي ٢٠ أبريل ١٩٣٦ م عم الإضراب الشامل مدينة يافا ، وتبع ذلك اشتباكات مسلحة حيث أقدم الثوار على حرق الميناء لمنع سفن الهجرة اليهودية من الوصول إلى المدينة ، ولضمان استمرار الثورة والتنسيق بين فصائلها اجتمع في مدينة يافا في أكتوبر ١٩٣٦ م ممثلي الأحزاب العربية في مقر مكتب مؤتمر الشباب الفلسطيني بالمدينة ، وتم تشكيل قيادة عسكرية عليا برئاسة المجاهد الكبير / عبد القادر الحسيني ، وتولى المجاهد / حسن سلامة قيادة منطقة يافا ، اللد ، الرملة ، وامتدت حركة الثوار حتى العام ١٩٣٨ م ، وكان من أبرز النتائج على مدينة يافا أن قامت سلطات الانتداب البريطاني بتدمير وهدم أجزاء واسعة من البلدة القديمة ، وأصبح أكثر من ٦٠٠٠ شخص بدون مأوى ورغم ذلك بقيت الثورة بين مد وجزر طوال فترة الحرب العالمية الثانية .
وفي ٤/يناير ١٩٤٨ م أقدمت العصابات الصهيونية الإرهابية على تدمير ونسف سراي الحكومة وسط مدينة يافا لتبدأ بعدها العصابات الصهيونية مسلسلاً من أعمال الإرهاب والترحيل القسري لسكان مدينة يافا، خصوصاً بعد استشهاد القائد العسكري للمدينة المجاهد حسن سلامة الذي استبسل في الدفاع عنها حتى الرمق الأخير عندما تعرضت المدينة لعدوان صهيوني واسع مدعوم من القوات البريطانية .
وبعد ذلك تعرضت مدينة يافا للقصف بالمدفعية الثقيلة بمعدل ٨٥ قذيفة في الساعة واستغل الصهاينة فرصة حالة الإرباك التي عاشتها المقاومة نتيجة استبدال القادة العرب في المدينة فكثفت الهجوم عليها إلى أن سقط حي المنشية بأيدي اليهود الذين قاموا بتدميره على الفور ولم تستطع المدينة بعد ذلك من الصمود طويلاً فدخلتها قوات الصهاينة ١٩٤٨ م أي عقب ولادة دولة إسرائيل التي بدأت بتنفيذ أوسع /٥/ وعلى رأسهم عصابات الهاغاناة مع يوم ١٥ موجات الترحيل فيها .