شهد عام 1955 مظاهرات عارمة اجتاحت معظم المدن والقرى والمخيمات في الأردن ، رفضا لمحاولات الدول الامبريالية جر الأردن للدخول في حلف بغداد العسكري، حيث شارك في فعاليات الاحتجاج والرفض مختلف قطاعات شعبنا الأردني الباسل، وفي مقدمتهم جماهيرنا الطلابية، التي نظمت قيادات "مؤتمر الطلبة الأردنيين" فعالياتها كون العمل الطلابي الرافعة السياسية الأولى والحاضنة المناسبة لمثل هذه المشاركة.
وبتاريخ 18/12/1955، افتتحت الطالبة رجاء حسن أبو عماشة سجل شرف شهداء الحركة الطلابية الأردنية، حين سقطت في مدينة القدس في اعتصام احتجاجي أمام السفارة البريطانية، ليلهب سقوطها شوارع الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وليواصل زملاؤها وزميلاتها، أبناء الحركة الطلابية، أداء واجبهم الوطني والمشاركة بفعالية في نضالات شعبنا ضد سياسة جر الأردن إلى الأحلاف العسكرية، ومن اجل إلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، وتعريب الجيش وإطلاق الحريات العامة.
ولدت الشهيدة رجاء أبو عماشة في قرية "سلمه" بالقرب من يافا، عاشت منذ 1948 كلاجئة في مخيم عقبة جبر في أريحا وكانت إحدى طالبات الصف الثالث الإعدادي في المدرسة القادسية في القدس لتكون أول شهيدة للحركة الطلابية الأردنية، كبرت رجاء لتجد نفسها وشعبها تحت وطأة استعمار لا يرحم في ظل هذه الظروف الصعبة هجرت قريتها مع أهلها إلى مدينة أريحا.
المناضلة الشيوعية رجاء أبو عماشة قتلت بالرصاص على أيدي رجال الأمن الأردنيين أثناء المظاهرات الشعبية التي اندلعت في مدينة القدس ضد نشوء حلف بغداد.
وواصلت جماهيرنا الطلابية آدا،ضريبة الدم ليتحرر الأردن من قيود الاستعمار ولينجز استقلاله ويحقق حريته.. فحمل يوم التاسع عشر من شهر كانون الأول 1955، أي في اليوم التالي لسقوط شهيدة الوطن الباسلة رجاء أبو عماشة، بشائر عرس ثلاثة من الشهداء الأبطال، الذين رووا بدمائهم تراب بيت لحم، دفاعا عن حرية الوطن واستقلاله، فاستشهد عبدالله تايه، وعبد الكريم عقل، وإسماعيل الخطيب، وجرح واعتقل المئات من الطلبة، وفي مقدمتهم أعضاء اتحاد الطلبة الأردني- مؤتمر الطلبة الأردنيين في ذلك الوقت.
وحققت هذه التحركات المطالب الوطنية، بإلغاء المعاهدة المذلة مع بريطانيا، وتم تعريب الجيش، وإسقاط حلف بغداد العسكري وفرض إجراء انتخابات نيابية عبر فيها شعبنا عن خياره، حيث فازت القوى الوطنية بأغلبية مقاعد البرلمان، وتشكلت أول حكومة وطنية في البلاد برئاسة سليمان النابلسي، وتحقق في عهدها العديد من الانجازات التي جاءت مستجيبة للمطالب الشعبية ومعبرة عنها.
خمسة وخمسون عاما مضت، ومجد الشهداء ، لم يزل القه وضأ، في سماء الوطن،خمسة وخمسون عاما.. في كل يوم منها شهدت حركتنا الطلابية نضالات فذة، من اجل نيل حقوقها المطلبية، ومن اجل نيل حقوق الجماهير في الحرية والديمقراطية.
وبقيام "المؤتمر العام لطلبة الأردن" عام 1953، وهو أول تجمع طلابي أردني قام بجهود نشطاء طلابيين، وعلى الأخص من البعثيين والشيوعيين رفض المعاهدة الأردنية- البريطانية لعام 1948، واستمر بالضغط من اجل أنشاء جامعة وطنية، وإصدار بطاقات طلابية أخضعت أجور المواصلات للتخفيض،(13) وقاد التظاهرات المناهضة لسيطرة الانجليز على الجيش، وعارض حلف بغداد (1955-1956)، وخرج مؤيدا لمصر خلال العدوان الثلاثي (1956) واحتجاجا على إقالة حكومة سليمان النابلسي (1957).
وخلال تلك التحركات قدمت الحركة الطلابية الناشئة عشرات الشهداء، وعلى رأسهم الشهيد حقي الخصاونة أول رئيس للمكتب التنفيذي للمؤتمر العام لطلبة الأردن، الذي استشهد برصاص الجيش أثناء قيادته للمظاهرات في مدينة اربد عام 1954، والشهيدة رجاء أبو عماشة التي استشهدت في الفترة نفسها وهي تنزل العلم البريطاني عن القنصلية البريطانية في القدس.
هناك على سفح أريحا يقوم قبر في العراء .. انه قبر الشهيدة ذات الخمس عشر ربيعا..
وكتب الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) قصيدة خالدة في رثاء الشهيدة :
منسية مثل بلادي رجاء ... مرت كما مر شعاع الضياء
أغفت على سفح أريحا ... ولا من ادمع إلا دموع السماء
ولفها الليل برفق ولا من مؤنس إلا النجوم الوضاء
لما جفاها كل قلب حنا ...قلب فلسطين كما الحب شاء
*****
كلما سارت وأترابها شوقا ... على تلك الرمال الظماء
مال على أمواجه هامسا ...قد درجت فوق الرمال الظباء
فالتفت البحر ولم يلقها ذات مساء ..!! أين غابت رجاء
فأجهش الموج وهاجت به عواصف الشوق ولا من لقاء
يافا تنادي أين تلك التي كانت تغني لي أشجى غناء
*****
هناك في تربة ارضي على سفح أريحا قبرها في العراء
تولول الريح ولا من شج خلف الدجا إلى بقايا خباء
إلا الخيام السود من حوله مجرحات ...ونفوس الإماء
والجبل الباكي في صمته ... فصاحة الدمع ونطق البكاء
*****
يا قطرات طهرت موطنا ... يا مشعلا دم شعبي أضاء
يا عبقا يا نفح ريحانة ... لما تزل في أرضنا والفضاء
نحن على عهدك لما نزل ... نرفع في ساح الجهاد اللواء
*****
ماذا هنا ؟؟ أشلاء قومية ... وأحسرتاه كيف يموت الباء
ونحن ..من نحن ؟ الم تعرفوا ؟ نحن الضحايا نحن أهل الفداء
على الأرض العربية ارتمت عروبة مطعونة الكبرياء
من عالم الغيب يدوي النداء ... أنا الفلسطيني سيف القضاء
كما وصف الشاعر عيسى الناعوري في قصيدته "منبر العمل" الشهيدة »رجاء:
تبدّلـــت لغــة الأحــرار وانتقلــت
آي الجهــاد مـــن الأقـلام للأســــلِ
والحـــبّ آيتــه بـــــذل وتضحيـــة،
لا أَشْطُرٌ مــن رخيص الشعر مبتذلِ
بنت الحمى ليس يحميها القريض ولا
ترضى عن السيف يوم الثأر من بدلِ
أما أتــاك عـــن الأردنّ حـين فـــَدَت
إخوانها مـن إســـــار الــــذلَ والنكـلِ؟
لهف الشباب عليها حـــرّة ربأت
بعلمها عــن خـــدور الـدلّ والكســـلِ
ماتت، فعاشت »رجاء« في النفوس كما
عاش اسمها الحلو في الأفواه والعُقـل«
انتهى.............