تعشق أنيتا كيرنان تحميم طفلتها إيفا التي تبلغ من العمر سنتين، لكنها لم تجرؤ على القيام بذلك منذ ولادتها، لأن هذا الأمر وببساطة شديدة، يعدّ خطراً عليها . وتعاني أنيتا من متلازمة تسمى “وضعية تسارع القلب القيامي” (Postural orthostatic tachycardia syndrome) وهي حالة تجعلها تنهار أو تصاب بدوار، نحو 30 مرة في اليوم .
تصاب أنيتا بالإغماء بمجرد قيامها بأفعال بسيطة كالعطس، أو السعال أو الركوع والانحناء . ومن الممكن أن تصاب بدوار عندما تصعد على درج المنزل أو عندما تقف في صف انتظار لمدة تزيد على دقيقة أو نحوها . وعلى الرغم من قصر مدة إغماءاتها “لا تدوم الواحدة أكثر من بضع ثوان”، فإنها أثرت كثيراً في حياتها، إذ اضطرت لهجر مهنة التمريض التي أعجبت بها، وتنازلت عن رخصة قيادة السيارة .
وتقول أنيتا: “إنها حالة تسيطر على حياتك والأمر الأكثر قسوة فيها، هو عدم تمكني من القيام بالأمور العادية البسيطة مع ابنتي كدفعها على أرجوحة في حديقة” .
وتنجم الحالة التي تعاني منها أنيتا عن خلل وظيفي في الجهاز العصبي المستقل المسؤول عن التصرفات اللاإرادية “مثل خفقان القلب” وهذا يعني عدم مقدرة المصابين - بهذا المرض - على ضبط وتنظيم ضغط دمهم” .
والمعروف أن ضغط الدم يهبط قليلاً عندما نغير من وضعيتنا، “مثل الانتقال من وضعية الجلوس إلى وضعية الوقوف” .
وفي الظروف الطبيعية، يعدل الجسم وضعه ببساطة .
ويقول الدكتور غين توماس استشاري - القلب في معهد بريستول للقلب في بريطانيا: “تعمل الأوعية الدموية التي تضخ الدماغ على متابعة التغير في انسياب الدم وترسل إشارات تجعل سرعة القلب تتسارع وتزيد، أما من يعانون من متلازمة تسارع القلب القيامي، فالتغير في وضعيتهم يعني انخفاض ضغط دمهم بصورة دراماتيكية، وهكذا يتسارع عمل القلب لزيادة انسياب الدم للأعضاء والدماغ، وإذا لم تحدث هذه العملية بسرعة كافية، يصاب المرء بدوار بسبب نقص ضخ الدم للدماغ، ونحن مازلنا لا نعلم أسباب هذه الحالة، ولكنها في بعض الحالات يمكن أن تكون جينية” .
وهذه الحالة شائعة بشكل مثير للدهشة، ويلاحظ أن 73 - 80% من المصابين هم من السيدات اللائي تنحصر أعمارهن في الفئة العمرية من 15 - 50 سنة، على الرغم من إمكانية إصابة المتقدمين في السن بها أيضاً .
وتعد حالة أنيتا من الحالات الشديدة الخطورة .
وتوجد حالات معتدلة تسبب الأرق، والدوار الخفيف وخفقان القلب، وتصيب هذه المتلازمة النساء أكثر من الرجال بمعدل 5 أضعاف عند النساء مقارنة بالرجال، ولاتزال أسباب هذا التفاوت مجهولة، بالرغم من أنها تخضع لبحث مكثف من قبل العلماء .
والأعراض التي تشمل الدوار، والخفقان والإجهاد المزمن هي أعراض يشكو منها دائماً من يتوهمون الإصابة بالأمراض، وهم بذلك يشجعون الأطباء على استبعادهم .
وقد اختبرت أنيتا الدوار العارض لأول مرة حينما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وعلى مدار الأعوام القليلة التالية، أصبحت الحالات تأتيها أسبوعياً ثم يومياً .
وتقول أنيتا: “في العادة لا أفقد الوعي، أشعر فقط بهذا الدوار الخفيف، الذي يزحف إلى جسدي، وإذا توافرت لي السرعة الكافية، يمكنني أن أمسك بشيء، ولكنني غالباً ما أنهار معظم الأوقات .
وقد أحيلت أنيتا إلى المستشفى لإجراء مجموعة من الفحوص الأساسية، وحينها ذكر الأطباء أنها تعاني من تقلبات في ضغط الدم، لكنهم لم يستطيعوا تحديد السبب .
وفي البداية نصحها الأطباء بإحداث تغييرات في نمط حياتها لمنع هبوط ضغط الدم، فعلى سبيل المثال، طلب منها الإكثار من تناول السوائل، وتجنب الكحول وزيادة كمية الملح في طعامها .
ولاحقاً أعطيت عقاقير “فلورو كورتيزون” التي تزيد كمية الملح وبالتالي كمية المياه في الدم، وبهذه العملية تزيد كمية الدم وهكذا يزداد ضغط الدم، ويقل عدد النوبات الإغمائية .
وفي الوقت ذاته، تعلمت أنيتا كيف تدرك أو تلحظ وقت حدوث النوبة ومتى ستكون على وشك الإغماء .
وتقول: “كنت بمجرد إحساسي بدوار خفيف، أبادر بالجلوس، فمن كان بحالتي طالبة جامعية شابة تزيغ عيناها وتنهار مستلقية في الشارع، سيعتقد المارة أنها فقدت الوعي لأنها مخمورة، ولكن لحسن الحظ، لدي أصدقاء داعمون اعتادوا على أن أتشبث بهم عندما تفاجئني النوبة في أي مكان أكون فيه” . وحينما بدا أن حالتها استقرت، بدأت أنيتا تتمرن على التمريض، ولكن عندما وصلت إلى سن العشرين، بدأت الأعراض تسوء، وبعد إجرائها لفحوص جديدة، وصف لها الأطباء مثبطات بيتا، التي تعمل على تخفيض سرعة القلب لمنع تسارعه واستجابته لتناقص ضغط الدم .
ومرة أخرى، بدا أن هذه المعالجة جعلت حالتها تستقر، ولكن شيئاً فشيئاً أخذت النوبات تعود مرة أخرى .
وبحلول عام 2007 بلغ معدل النوبات ما يصل إلى 30 مرة في اليوم، ووجدت أنيتا نفسها مضطرة إلى ترك وظيفتها ممرضة صحة عامة .
وتقول أنيتا: “ما زاد الأمور سوءاً، عدم تمكن الأطباء من معرفة ما كنت أمر به” .
وحينما كانت أنيتا تبحث في أعراض حالتها على الإنترنت، وقعت على موقع يساعد الناس الذين يعانون من حالات متنوعة تسبب الإغماء، ووجدت معلومات تتعلق بمتلازمة تسارع القلب .
وفي أعقاب ذلك، أحيلت على البروفيسور ماثياس كريستوفر أستاذ طب الأعصاب الوعائية في جامعة لندن، الذي أكد إصابتها بهذه المتلازمة بعد إجراء فحوص عدة .
وتقول أنيتا: “شعرت براحة لأنني وجدت اسماً لحالتي في نهاية المطاف، بيد أن إدراكي لعدم وجود علاج لحالتي كان مدمراً لمعنوياتي، وأن ما أعاني منه إعاقة لن أتمكن من السيطرة عليها” .
وبعد اكتشاف وتأكيد إصابتها بمتلازمة تسارع القلب القيامي، نصحها البروفيسور ماتياس بتجنب الأشياء التي تحرك النوبات، كالإرهاق أو عدم شرب ما يكفي من السوائل .
وقررت أنيتا - بعد أن أدركت أنها غير مقيدة بأدوية وعقاقير - تكوين أسرة مع زوجها إريك، ومن ثم أنجبت - بعملية قصيرية - ابنتها إيفا في مايو/أيار 2009 .
وتقول أنيتا: “عندما كانت إيفا رضيعة، ناضلت لإراحتها لأن وقوفي لحملها وهدهدتها كان صعباً وخطراً لأنه قد يؤدي لإصابتي بالإغماء، وكان إريك يلاطفها ويريحها بعد أن أفرغ من إرضاعها” .
وتضيف: “إن صعوبة حالتي تكمن في عدم مقدرتي على التنبؤ بمفاجأتها، فأنا تارة أكون على ما يرام، وتارة أخرى يحدث لي انهيار” .
وفي أوائل العام الجاري وصف الأطباء لأنيتا دواءً جديداً يدعى ميدودرين (midodrine)، يزيد ضغط الدم، وهذا الدواء ليس مجازاً في المملكة المتحدة، ولكن يمكن وصفه للمرضى من قبل اختصاصيين .
وقد أسهم هذا الدواء - إضافة للتحكم في نوعية ونمط حياة أنيتا - في استقرار حالتها، وتقلص نوبات إغمائها لمرتين في الأسبوع فقط، الأمر الذي وصفته أنيتا بالمعجزة، بالرغم من أن حركتها لاتزال محدودة .
ويمكن للأدوية أن تعين المرضى على ضبط نمط معيشتهم اليومي، على الرغم من عدم وجود علاج شاف لمتلازمة، و”ضعية تسارع القلب القيامي” .
وإلى جانب الأدوية ينصح المرضى بتجنب الإرهاق، والجفاف، والكحول .
كما تسهم الرياضة الخفيفة مثل المشي في تحسين حالتهم .
وقد وجدت دراسة جديدة أعدها معهد الطب البيئي والرياضة في تكساس، أن الرياضة تعمل بشكل أفضل من الطب فيما يتعلق بحفظ توزيع الدم أثناء الوقوف، وتحسن عمل الكلية ونوعية حياة المرضى .
ولكن كيف يمكن للمرضى المحتملين تحديد ومعرفة حالتهم في ظل اتساع نطاق الأخطاء التشخيصية؟
يقول الدكتور توماس إن ثمة فحصاً بسيطاً يمكن للمتشككين أن يقوموا به كالآتي: استلق وقس نبضك في الصباح حينما تكون مرتاحاً، ثم انهض وقف وقس نبضك مرة أخرى بعد عشر دقائق، فإذا زاد معدل ضربات القلب ب30 مرة في الدقيقة، فهذا يعني أن ثمة حاجة إلى فحصه .
وبالرغم من قيود حياتها، ترفض أنيتا أن تظل سلبية .
وتقول: “لدي زوج رائع وطفلة جميلة، وقد خصصت لي وظيفة جديدة في هيئة الخدمات الصحية وأصبح عملي مكتبياً، وأنا الآن أركز على ما أملكه، وليس على ما خسرته” .