الاسم الأصلي أو الحقيقي للشاعر هو نزار آقبيق لا نزار قباني "وقباني" هي مجرد كنية!
آقبيق تعني بالتركية الرجل ذا الشوارب البيضاء وآقبيق أسرة دمشقية كريمة معروفة
من أولى قصائد نزار قصيدة يمدح فيها الزعيم حسني الزعيم أول رئيس سوري يصل إلى السلطة بانقلاب عسكري
عندما غير أحمد حسن الزيات صاحب "الرسالة" اسم اول ديوان لنزار:"طفولة نهد" إلى "طفولة نهر" كي لا يخدش حياء قرائه!
نزار: قرأت بانبهار أعمال الشعراء اللبنانيين في زماني ووجدت في حروفهم رائحة طازجة لا عهد لي بها من قبل
في الكتاب أن شعر نزار سطحي وذلك يعود إلى ضعف ثقافته وعدم تعمقه
قال محمود درويش إنه تجول مرة في بيت نزار فلم يعثر فيه على كتاب!
أي أسلوب اتخذه نزار حول المرأة في شعره؟
جهاد فاضل
"نزار قباني الحقيقة الكاملة" هو عنوان كتاب جديد عن الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني تحاول فيه الباحثة كاتيا شهاب رسم صورة مختلفة للشاعر عما شاع وذاع، فلا تترك جانبا في سيرته أو في فنه الشعري إلا وتجلوه من جديد تحت شعار "الحقيقة الكاملة" انها لا تقنع بأن تروي السيرة وتتحدث عن الدور كما كان يرويه نزار وكما يرويه في العادة أنصاره ومريدوه فحديثها, لهذه الجهة, هو غير الحديث الكلاسيكي المألوف والمعروف. وبكلمة , فإن الوجه الآخر لنزار قباني هو الوجه الذي تبني عليه كاتيا شهاب دراستها, أو لنقل انها تحاول أن تتبين الوجه الآخر أو المظلم, للقمر.
تبدأ بالسيرة ومنها تنطلق الأسطورة . تجد أن اسمه الفعلي: نزار آقبيق لا نزار قباني هو الاسم الفعلي الذي حمله منذ لحظة ولادته وكما دون في أول تذكرة هوية حملها. ولكن إلى جانب هذا الاسم كانت هناك كنية.
قباني هي الكنية في حين أن آقبيق وهو اسم تركي, هو العائلة ولكن أسرة والده توفيق قباني، وهو صاحب مصنع شوكولاته في دمشق، ضاق ذرعا بآقبيق هذه وكان أكثر من ضاق ذرعا أبناء توفيق ومنهم نزار فتقدموا جميعا بدعوى لدى المحكمة الناظرة بقضايا الأحوال الشخصية طالبين فيها حذف "آقبيق" الثقيلة هذه من تذاكر نفوسهم والابقاء على الكنية وحدها.
كان ذلك في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي عندما كان نزار واخوته طلابا في المدارس وقد استجابت المحكمة لطلبهم ولكن وسط استنكار أقارب نزار. والمعروف ان زوجة نزار الأولى التي رزق منها بولدين "هدباء وتوفيق" كانت من آل آقبيق وابنة عمه.
تطرح الباحثة سؤالا عما كان يمكن عليه الأمر لو ان هذه الدعوى لم ترفع, وبالتالي لو بقي اسم نزار يحمل اسم اسرته الأصلي, أي آقبيق, هل كان يمكن للأسطورة ان تنمو وتزدهر؟ علما أن آقبيق أسرة دمشقية عريقة ولها في مقارعة الانتداب الفرنسي على سوريا تاريخ عريق, ولكن هذا هو اسمها الذي تحمله في تذاكر نفوسها ومعناه في التركية, الرجل ذو الشوارب البيضاء!
وأيا كان الأمر, فإن الفتى نزار يدرس في مدارس دمشق ثم يتخرج من الجامعة السورية (جامعة دمشق الآن) مُجازا في الحقوق قبل تعيينه في السلك الخارجي السوري ملحقا لدى سفارة بلاده في القاهرة كان ذلك في عام 1944 وفي مرحلته المصرية هذه صدر له ديوانه الشعري الاول وعنوانه "قالت لي السمراء" ليتبعه بعد ذلك بديوانه الثاني "طفولة نهد" ويصدر له بعد ذلك دواوين كثيرة انصب اكثرها على الغزل الذي تخصص به الشاعر واشتهر به.
ثمة مدن وبلدان وثقافات ساعدت في تكوين نزار. هناك في البداية دمشق وتراثها الثقافي والحضاري وأزقتها وبساتينها ومنها ياسمينها وللشاعر مجموعة شعرية أصدرها شقيقة صباح عنه تحمل عنوان "دمشق نزار قباني" وفيها القصائد التي كتبها نزار عن دمشق ليس فيها بالطبع قصيدته السياسية الأولى عن الزعيم حسني الزعيم الذي كان أول من قام بانقلاب عسكري في الشام مدحه نزار بقصيدة ثم طوى القصيدة فيما بعد ولم يعد يشير اليها لا من قريب ولا من بعيد ومن بين المدن المؤثرة في سيرته : القاهرة وبيروت، في الأربعينيات من القرن الماضي كانت القاهرة زهرة المدائن وعاصمة كل العواصم العربية, وكانت على الخصوص مدينة ثقافية عظيمة نهل الشاعر منها وفيها بدأت شهرته وللناقد أنور المعداوي فضل في هذه الشهرة وكذلك لصاحب "الرسالة" أحمد حسن الزيات ومن أطرف ما حصل يومها أن المعداوي كتب مقالة لينشرها في "الرسالة" عن ديوان نزار "طفولة نهد" إلا ان الزيات أرتأى حرصا على سمعة مجلته, أن يغير عنوان الديوان من "طفولة نهد" إلى "طفولة نهر" نشر المقالة كرم صديقه أنور المعداوي ولكنه عدل عن عنوان الديوان الأصلي كي لا يخدش حياء قرائه ولكن نزار قال فيما بعد ان ما فعله الزيات كان عبارة عن دبح للديوان من الوريد إلى الوريد.
ويحتل لبنان ومنه بيروت مكانة خاصة في السيرة النزارية يقول نزار: ان ارتباطي بلبنان لم يكن ارتباطا سياحيا ينتهي عند حدود شواطئ بيبلوس وصالات الكازينو انه اعمق من هذا بكثير، فلبنان كان الاناء الذي احتوى شعري وأعطاه شكله ولونه ورائحته في أرض لبنان زرعت بذور قصائدي الأولى فاحتضنها وأطعمها وسقاها حتى صارت غابة كثيرة الشجر, ممدودة الأفياء وعندما صارت الكلمة قدري في أوائل الأربعينيان, كنت أقرأ بانبهار أعمال الشعراء اللبنانيين: الأخطل الصغير وأمين نخلة وإلياس أبوشبكة ويوسف غصوب وصلاح لبكي وسعيد عقل وأجد في حروفهم رائحة طازجة لا عهد لي بها من قبل كان هؤلاء يتكلمون لغة أخرى, ويكتبون بحبر آخر. هذه الخصائص في أبجدية بلاد الشام هي التي جعلت غناء فيروز مختلفا عن غناء أم كلثوم وقصائد بشارة الخوري مختلفة عن قصائد الرصافي وشعر أدونيس مختلفا عن شعر علي الجارم.
حول شعر نزار وأسراره ترى الباحثة ان واحدا من أسراره مقدرته على محاكاة الشباب بلغتهم وطرقهم في التعبير وهذه الشريحة العمرية هي الأكثر تجاوبا مع دواوينه واقبالا على شرائها "وإذا سلمنا جدلا ان نزار قباني ناشر وعاشق للجمهور بمعناه العريض وهو الميال إلى الثقافة العامة لا إلى النموذج المعقد من المعرفة , فأنت تتحدث مع "التاجر" الذي يدرس السوق وتقلبات "الزبائن" دون اهتمام كثير بتلك النخبة المثقفة التي تجلس في المقاهي لتنقد وتفند".
وترى الباحثة ان شعره سطحي ويعود قسم أساسي من ذلك إلى ثقافته وعدم تعمقه واحاطته بجوانب كثيرة فيها وتستشهد بالشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي قال مرة انه تجول في منزل نزار قباني فلم يعثر فيه على كتاب مجرد جرائد يومية ومجلات أما الكتب على أنواعها, سواء الأجنبية أو الوطنية, القديمة أو الحديثة فلم يكن لها وجود في المنزل.
وتتساءل: هل هو شاعر المرأة أم أشرس أعدائها قيل فيه انه يتغني بالحب ويرسم بالكلمات, كما قيل انه رجل حذق وموهوب وشهواني ومندفع وجرئ، قصائده تسلقت أصوات العمالقة, مثل "إلى تلميذة" و"قارئة الفنجان" و"مدرسة الحب" ولكن خلف شاعريته, تظهر رغبة في اعادة المرأة إلى زمن سحيق كان فيه دورها مقتصرا على "طارحيني الحب تحت المطر، تحت الرعد والبرق, عانقيني في الميادين, امنحيني روعة الاحساس بالموت، أحبيني كما كنت بعنف وجنون، واعصري قلبي كالتفاحة الحمراء حتى تقتليني وعلى الدنيا السلام.
ورغم خروجه على القانون وجرأته الكبيرة ,إلا انه استخدم المرأة لتكون عبدة له وحده تدخل كنزته وتأكل من عشب صدره. طلب منها رفض السلاطين والتخلي عن كل رادع يعترض الجنس لتستسلم لجسده "أحبيني بكل توحش التتر بكل حرارة الأدغال, خلي نهدك المعجون بالكبريت والشرر يهاجمني كذئب جائع خطر"!
وتميز الشاعر بأسلوبه الفظ في التعامل معها "كوني امرأة خطرة كي أتأكد حين أضمك أنك لست بقايا شجرة" يأمرها أن تعطيه كل شيء بلا منه ليس لأنها تحبه، بل ليتأكد أن فروعها ليست خشبا ولا جذورها حطبا.
وذلك عبر استعماله فعل الأمر في مئات القصائد: كوني، ثوري، خلّي، أحّبي.. ويبرر أوامره بحجج من نوع: كي لا يُروي عني أني كنت أُضاجع شجرة!
ولكن هل أحب المرأة فعلا ؟ من دون أن يقصد، يظهر حقيقة نظرته إلى المرأة. فهو في الواقع لا يراها حبيبة، بل لعبة يتسلى بها الى أن يحصل على واحدة أخرى جديدة وناضجة تروي ظمأ جديداً بطعم جديد من دون ان يتذكر أسماء زائراته. يقول لها: «عودي لأمك، ما أنا بحمامة، غريزة الحيوان تحت قناعي، ما انت حين أريد إلا لعبة بلهاء، تحت فمي وضغط ذراعي»!.
وإذا كان المطلوب في الشعر ان يحمل لقارئه تجربة مختلفة تتصل بالذات والوجود والمصير وتحمل رؤيا جديدة، وهذه هي الأسباب الموجبة للشعر، فإن القارئ لن يعثر على مثل هذا الشعر في مجموعات نزار الشعرية. ان نزار لا يكتب مثل هذا الشعر، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد. إن الشعر الذي يكتبه، هو على الإجمال عبارة عن لقطات مباشرة تتصل بالعلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى. هذه اللقطات لا تلامس سوى السطح في هذه العلاقة. ونزار على العموم ليس له سوى قصيدة غزلية واحدة ينوع عليها على الدوام.
ولكن يتوجب على القارئ الا يتعامل مع شعر نزار تعاملا فظا قاسيا. هذا الشعر اقرب الى الوجبات السريعة إلتي تسد بعض الجوع دون ان تطفئه نهائيا. إن شعره يتضمن كل عيوب الوجبات السريعة، هو لم يعده الاعداد الكافي المتوجب.. والسبب انه وضع لنفسه روزنامة قصائد عليه ان ينجزها. يبدأ بالواحدة منها وعليه ان ينهيها بأقرب وقت. ولأن الامر كذلك فالقصيدة لا تنجز ذلك الانجاز السليم. هو يذبح قصائده ذبحا لان الناشر يدعوه الى ان ينصرف بسرعة إلى قصيدة أخرى، خلافا لما أمر به الناقد الفرنسي بوالا جماعة الشعراء. في كتابه «فن الشعر» يقول بوالو للشاعر: «في هذه الصناعة، صناعة الشعر، اجعل يدك تمر عشرين مرة، وملس ونعم.ثم ملس ونعم». نزار لم يستمع الى هذه النصيحة في الشعر. فهو لا يدع يده تمر على قصيدته الا بصورة سريعة جداً، وذلك كي لا تختل روزنامته الشعرية!
في قصيدة له من مجموعة: «سيبقى الحب سيدي»!.
يقول الشاعر:
أجلسي خمس دقائق
لا يريد الشعر كي يسقط كالدرويش
في الغيبوبة الكبرى
سوى خمس دقائق
لا يريد الشعر كي يثقب لحم الورق العاري
سوى خمس دقائق
فاعشقيني لدقائق
واختفي عن ناظري بعد دقائق!
نزار قباني في هذه القصيدة، كما في كل قصائده، لا يريد من المرأة الا خمس دقائق لكي تشعله، لكي يصل الى حالة إثارة تنتج سلعة للبيع اسمها قصيدة. وعلينا ان نلاحظ انه في هذه القصيدة، وبصريح العبارة لا يريد ان يصل مع المرأة الى نهاية الشوط، الى مرحلة الاطفاء والانطفاء، بل الى مجرد إثارته، إلى خمس دقائق..
بعدها على المرأة، او على الجارية ان تغادره فورا، من اجل ان يكتب قصيدته. واضح جدا ان الشاعر هنا لا يريد التفريط بصحته، بل المحافظة عليها. ثمة تنسيق بين علوم مختلفة: بين علم الصحة وعلم التدبير والتخطيط وعلم الحساب، وهي علوم لم يتمكن اي شاعر آخر عبر العصور في التوفيق بينها الا نزار قباني الشاعر والناشر من صاحب دار نشر كان اسمها «منشورات نزار قباني»!.
انه شاعر غاياتي لا يتصور بأن الأمور يمكن ان تقصد لذاتها. لا شيء يقصد لذاته، عنده لا حب للحب، لا شعر للشر، الأمور كلها رتبت لغايات ومقاصد.
لنسمع هذا الشاعر الصاحي يقول: «لو كان لدى الوردة مطبعة وناشر لأصدرت ديوان شعر»!.
انه يأسف لأن عطر الوردة يذهب هبأ أو يضيع سدى. كان على الوردة ان تستفيد أكثر من شذاها. كان على الوردة ان تكون مؤسسة اقتصادية!.
ومن قصيدة له نقتطف ما يلي:
الشعر محلول على آخره
والنهد ديك أحمر المنقار
وأنا محاصر من الجهات الأربع
بالكحل والأساور
والخوخ والرمان والأنهار
وأسأل الله تعالى
أن يديم نعمة الحصار
لنستنتج أنه «صاح» في علاقاته مع نسائه. وهو لا يشعر بأن عليه واجبا تجاه نسائه. إن على نسائه ان يسعفنه وان يقدمن له تقويمات شتى: الخوخ والرمان والأنهار. وهو يسأل الله ان يديم عليه نعمة هذا الحصار.
وفي قصيدة أخرى:
يهطل مني حين أحبك
مطر أخضر
مطر أزرق
مطر أحمر
مطر من كل الألوان
يخرج من أجفاني قمح
عنب، تين، ليمون، ريحان
فإذا لاقيتُ رفاقي في المقهى
وجلستُ إليهم
ظنوني بستان
فالمرأة إذن عليها ان تعرف واجباتها تجاهه، أن تقدم له ما يهيء له الصحة والعافية والنجاح، بل ان عليها ان تقدم له حتى المأوى والاقامة أليس يقول ذلك صراحة فيما يلي:
صحيح بأن المكان أنيق
وأن النبيذ عتيق
ولكني رغم هذا الإطار الملوكي حولي
أحس بأني أموتُ كشاعر!
هو شاعر صاح له ملاحظات غاية في المباشرة والبراغماتية وتصدم كل القيم الراسخة في النفس البشرية ليست المرأة ذلك الكائن الجميل الذي يفيض رقة وعذوبة وحضارة، بل هي مجرد «ثقب» أو ثقوب لا أكثر.
يسقط الرجل
في أول حفرة نسائية تصادفه.
إن تاريخ المرأة هو تاريخ السقوط في الثقوب!
وترى الباحثة ان شعر نزار يقدم مادة ذهبية للناقد والدارس، ولكن المشكلة تتمثل في ان النقاد والدارسين انصرفوا عن شعر نزار منذ زمن بعيد.
على هذا النحو تسير دراسة كاتيا شهاب. دراسة تتقصد اعادة النظر بمجمل ارث نزار قباني سواء من حيث السيرة او النقد، وتأتي بنتائج هي غاية في الطرافة، والأطرف من كل ذلك ان نزار نفسه يساعدها فيما انتهت اليه. فإذا قيل لها انها تتعسف فيما تقوله بحقه، أدلت على الفور بنصوص الشاعر!