زهرة عبد القادر أبو حاشية (1932)
تسكن حاليا في عمان 4/3/2007
اسمي زهره أبو حاشية.. خلقت بفلسطين ولما هاجرنا كان عمري 11 سنة، كنا بالبيت 3
بنات و 3 أولاد... أمي جابت 8 بنات وصاروا يموتوا.. راح أبوي وأمي عند شيخ وبعدها
صارت أمي تخلف وما يموتوا الأولاد... بسلمه كان في شجره سدره تتبارك فيها الناس...
أنا ما بذكر الشجرة بس أمي كانت تحكيلي عنها.
جنب سلمه كانت قرى العباسية، بيت دجن، الخيريه، يازور ويافا... إحنا بيتنا كان بآخر
سلمه وأبوي كان فلاح ومؤذن القرية، كان يأذّن على مرتفع، كان عنا بساتين وبيّارات،
ما كنا نشتري اشي من برا كل الإغراض كانت عنا بسلمه. النسوان عنا كانوا يشتغلوا مثل
الرجال.. اغلب الناس كانت فلاحين تشتغل بأرضها.. النسوان كانت تزرع وتلقط الزرع
وتبعته على يافا، كانت تربي دجاج وخرفان.. عيشتنا من أرضنا... بذكر أمي كانت عاملي
بستان ورد كبير، كنت أروح القط الورد وأساعدها... تعلمت الغسيل والعجين من جيل سبع
سنين.. أمي كانت تخبز للعمال وأنا ابعته... سلمه كان فيها دكاكين بس مش كتير.
زوجه عمي كانت دايه تولد نسوان العائلة، تقطع الحبل السري وتلف
الولد، يدهنوه بالملح والزيت لأسبوع عشان يطلع قوي...كانت النسوان تولد وتنزل تشتغل
بالأرض.. أنا لما كنت بمخيم بلاطه كنت اخلف وأروح أكمل شغل البيت.. النسوان البدو
كانوا يولدوا حالهم بحالهم... كانت تمسك بعامود الخيمة وتولد لحالها، تحطّ الولد
بكيس على ظهرها وتربطه وتروح تكمل شغل.. هدول البدو كانوا يشتغلوا عنا بالأرض وطبعا
يوخدوا خضرا ببلاش.. كانوا يناموا بسلمه بس بخيم. أو ببيوت طين يحطوا عليها زينكو
عشان المي ما تنزل عليهم..
الأعراس بسلمه كانت 3 أيام، النسوان لحال والرجال لحال.. كانوا يحنّوا رجلين وايدين
العروس.. وبعدين يعملوا عشاء وغداء ويصير العرس.. بس العريس ما كان يشوف العروس بس
خالها أو أبوها كانوا يطلعوها...
ذكريات من مقاعد الدراسة
بيتنا بعيد عن المدرسة... بيّارتنا بآخر سلمه، كانت مدرسة وحده بس الصفوف غير
مختلطة...أنا تعلمت للصف الثاني بعدها صارت الحرب وطلعنا، اغلب الأهالي اتركوا
بناتهم من المدرسة لأنهم خافوا على البنات. المدرسة كانت مجهزه واللي علمونا كانوا
مدرّسات من يافا... كان في احترام وقتها للمدرسين..
عنا كان من جميع أنواع الفواكه بالبيّاره، كانت لما تطلب منا المعلمة نرسم مثلا
الموز كان أبوي يعبي السله موز ونوخذها للصف عشان نرسم الفواكه... في ناس ما بعتت
بناتها للمدرسة عشان تشتغل بالأرض..
بذكر مرّة جارنا كان حاطت يهودي يمني حرس على بيارته.. في يوم
كنت أنا وصفيه بنت عمي وهدى نلعب بالبيّاره... قرر جارنا يومها يجرّب البارودة اللي
اشتراها، فقال لليمني روح عند بنات أبو حاشية وقلهم انه بدي أجرب الباروده وانه ما
يخافوا .. أجا هذا اليمني علينا وما فهمنا عليه.. خفنا صارت صفيه تصرخ وصرنا تركض...
هربنا عند ابن عمي، وقلناله اليهود هجمت وطلعنا بعدها عند عمتي .. بس بالآخر عرفنا
انه جارنا عم بجرب الباروده.
حسن سلامة
أبوي شارك بثوره 36 وكان اله دور متميز.. الانجليز حكموا عليه
بالإعدام.. رهن البياره عشان يشتري سلاح.. هو بدا بنفسه انه راح يسلح أولاده
وعائلته عشان الأرض وأهل البلد عملوا مثله.. السلاح كانوا يشتروه من الجهاد المقدس
(حسن سلامه) أو شراء.. حسن سلامه كان قائد منطقه يافا في الجهاد المقدس.. سيدي كان
قائد منطقه سلمه وضواحيها وكان القائد العسكري الفعلي.. بعض السلاح كان تبرع أو دعم
ومعظمه شراء... وكمان مرات كانوا يسرقوا سلاح من الجيش البريطاني أو اليهود..
اليهود جبناء اللي ساعدهم الانجليز... الانجليز كانوا يفوتو على سلمه ويعتقلوا
الشباب، سجنوا خالي 5 سنين وبقيت زوجته ساكني معنا هي وابنها..
"بليلة هجم اليهود على بيتنا...."
أول ما حسينا بالخطر كان لما خطف اليهود ابن عمي وزوجي عثمان أبو حاشية ابن موسى (أبو
طلعت)، واخوي... اخوي وقتها كانت يدرس بمدرسه ببر زيت وكان جاي لأجازه...عمي قال
انه المعارك بدأت وإحنا قررنا ندافع عن أرضنا... وزّع لعثمان وأخوي وبعض الشباب
سلاح وبدأ بتدريبهم ... بليلة هجم اليهود على بيتنا وعلى بيت عمي موسى أبو حاشية،
بذكر إنهم هجموا قبل صلاه الصبح، إحنا كنا نايمين، والشباب نايمة ببستان الورد.
عثمان (أبو طلعت) كان سلاحه جنبه...لما شاف اليهود رمى السلاح جنب شجرة الليمون،
اجو اليهود عليه وخطفوه هو وابن عمي... حطوا على وجهم أكياس وحطوهم بسارة وأخذوهم...
وحاولوا بعدها يدخلوا عنا على البيت... كان عنا خشبه بالبيت مسكتها أنا وأخوي
الصغير... اليهود يدفعوا بالباب وأنا واخوي ندفع بالباب عشان ما يدخلوا علينا...
بعدها هجم اليهود على والدي وصاروا يضربوا فيه... فتشوا البيت وما لاقوا أي سلاح..
السلاح كان مخبأ... أمي طلعت على الشباك تصرخ عشان الناس تسمع.. قاللها اليهودي
اخرسي وضربوا قنابل دخان عشان ما تشوف... بعدها راحوا على عمي ضربوه على ايده
وكسرلوه إصبعه ودخلوا على عمي الثاني وضربوه... راحوا على البيارّه وحفروا عشان
يفتشوا على السلاح..
كان في سلاح خبيناه عند الحمام وقسم تحت الخيل وقسم عند الدجاج...كان اليهود يضووا
على السلاح وما يشوفوه.. قالوا لعمي موسى إذا لاقينا فشكه عندكوا راح نقتلكوا...
قسم من السلاح اللي حصلنا عليه سرقناه من اليهود ... سرقهم واحد بدوي أصله من السبع
وخبوهم بدارنا.
بعد ما خطفوهم، حبسوهم كل واحد بغرفه، قالوا لعثمان انه يعترف وين السلاح.. لما
أنكر ضربوه على عينه بالباروده.. بعدها راحوا لأخوي وقالوله ابن عمك مات واعترف..
قاللهم انا مش أحسن من ابن عمي ما بعرف اشي.. جابولهم حليب ورفضوا يشربوه.. عمي
هددهم إذا الأولاد ما رجعولي إحنا بدنا نهاجم الكوبانيات... اليهود رجّعوا الشباب
ورموهم مربوطين وين ألبير... شافهم واحد راعي وفكهم، بهذا الوقت كنا مفكرين انه
الشباب انقتلوا وكان عنا عزاء بالبيت، رسميه جارتنا شافت عثمان وعبد جايين، صارت
تزغرد، وصار أبوي يكبر ودموعه تنزل... لما رجعوا كانت الفرحة عنا كبيره.. وبدأت
الحرب... صارت اليهود تيجي عنا وتدور على سلاح ببيارتنا.
بالبداية كانت المعارك اغلبها على أطراف البلد.. أطراف سلمه كانت
بيّارات ومناطق زراعيه.. احنا كنا ساكنين بالمناطق الزراعية يعني البيت والبياره
بنفس المكان.. ولما تشتد المعارك كانوا يطلبوا من الأطفال والنساء يخلوا البيت
ويروحوا لوسط البلد لأنه اكثر أمان في الداخل.. كنا نتخبى عند عمتي الله يرحمها.
اليهود نسفوا بيت جيراننا دار الحاج أبو داوود لأنه كان على مرتفع والشاب يقعدوا
فيه يطخّوا على اليهود.. اخوي هرب من بالبيت وضلهم يركضوا وراه عشان يمسكوه ولما
يأسوا ضربوه قنبلة برجله... دخلت الشظايا فيها وبقيت رجله متصاوبه لبعد ما طلعنا من
سلمه.
مرّه صارت حادثه مع اخوي عبد الجواد، كان يملك باروده، ولما جرّبها طلعت الطلقة
بحلقه..أمي مزعت الشاشة وسكرت على الجرح، وأخذوه بعدها على يافا وطلعوا الفشكه.
"يا ام حسن اتركي كل شي ما احنا راجعين"
صار عنا حرب بكوبانية هتكفا جنبنا.. اليهود خافوا.. هجمت العرب عليهم،
هربوا وتركوا طفلين... أخذوهم العرب وسلموهم للهلال الأحمر... أهل سلمه حاربوا ستة
أشهر.. لما كانت اليهود تهجم كنت اخذ اخوي صلاح... بذكر كنت اخذ صلاح والدنيا عتمه،
صلاح يمسك برقبتي واليهود يطخوا علينا... ونوصل عند دار سيدي وجوهنا صفرا من الخوف...
بالنهار اليهود ما كانت تضرب.
سمعنا انه بدير ياسين كانوا يذبحوا الطفل ويقطعوا صدر المرأة ويعتدوا على النسوان
ويذبحوا رجال... الناس خافت وطلعت...لما طلعنا عمي ما فكّر انه راح نطوّل.. خالتي
صارت تجمع أغراض بس قاللها يا أم حسين اتركي كل شي ما إحنا راجعين..
إحنا قررنا نطلع لما صارت اليهود تحارب فينا ليل ونهار...عمي بعت الأطفال والنسوان
والختيارية على الرمله.. والشباب بقيت تحارب، ما بقي كتير بسلمه.. بقي بس عشرات
الناس من أصل 8 آلاف نسمه. اخوي اللي تصاوب طلع معنا على الرمله. إحنا لما طلعنا ما
كان عنا ذهب حياتنا كانت بسيطة ومصارينا كانت للنضال..
أبوي كان قائد فصيل مع حسن سلامه وكلهم تابعين للحاج أمين الحسيني... المقاومة
بسلمه كانت منظمه وكان في دوريات ليليه. كل عائله كانت تفرز للحراسة أفراد منها..
بالذات المناطق المواجهة للمستعمرات... اتفقت جميع عائلات سلمه على شراء أسلحه حسب
عدد الرجال فيها، كان في استحكامات وتخطيط عسكري للدفاع عن البلد ضد الهجمات، لكن
كان ممكن البلد تصمد بشكل أحسن من هيك لو كان في إمكانيات ماديه وإمدادات، لما
اشتدت المعارك انتهت الذخيرة من المقاتلين....كان في شعور عام انه أهل سلمه صعب
يصمدوا بدون إمدادات... حسن سلامه والحاج أمين الحسيني ما أرسلوا ذخيرة... صار في
إحباط عند المقاتلين بس مع هذا استمروا بالقتال. وبعد شهر من خروجنا سقطت سلمه
بنيسان...
اليهود قعدوا يطلقوا رصاص لمده 3 أيام بعد ما طلعوا جميع أهل سلمه... كانوا خايفين
يدخلوا سلمه بسبب المقاومة القوية.
"الرجل بكبت حزنه والمرا بتنفس عن حالها..."
النساء كانت تبكي حزن، خالتي كانت تنوّح، وتلقي شعر على الأرض وتبكي، إحنا كتير
تأثرنا...
أول ما هاجرنا عمي اخذ ارض بالغور يشتغلوا فيها عشان يصرفوا على حالهم ويبيعوا خضرا..
بس تركوا الأرض ودوروا على شغل تاني. يعني عيشه يوم بيوم.. اللي ياكل يعيش.. مش مثل
ما كنا بأرضنا وبخيرنا.
عمي مرض بالهجرة وصابوا جلطه... أبوي كان يجيبلنا خضرا من نابلس ولما كان يحيب
فواكه عمي حلف يمين انه ما بوكل فواكه إلا من فلسطين.. كان مناضل والاستعمار أخد
بلده.. الرجل بكبت حزنه والمرا بتنفس عن حالها
"بلاطة.. بداية نواة لمخيم"
لما طلعنا بنينا خيم بالبرد ببيت نبالا، نولع حطب عشان نسخن الشاي، كنا نروح من
الصبح نملي مي، ما كان في كاز ولا اشي، نروح بالليل نلم حطب على روسنا عشان نطبخ
ونغسل، شفنا المرارة، سمعت عن قصه انه سيدي كان يقول أنا لا يمكن ارفض طلب لأهل بيت
نبالا لأنه لما حاصرنا الجيش الأردني اجو بدهم يجردوا المقاتلين من أسلحتهم، خبوا
السلاح في حفره وسط البلد، وما قدروا يكتشفوا انه هاي الحفرة فيها سلاح أجينا بعدها
على سهل بلاطه وسكنا بالكروم على طرف البلد... العين كانت وسط البلد والنساء الصبح
كانت تروح تملي عن العين بعد صلاة الفجر حاملات الجرار.. كان في بعض الناس اللي
عندها إمكانيات وكانت تروح على الحمير.
بلاطه كان بداية نواه لمخيم، بس الحياة هناك ما كانت نظيفة مثل سلمه...إحنا كنا من
أوائل اللاجئين اللي وصلوا المخيم ...عين بلاطه كان قريبه من المنطقة اللي سكنا
فيها.. الناس المثقفين من سلمه كانت ترفض التعامل مع وكاله الغوث لأنه إذا سجلنا في
المخيم معناه انه إحنا اقرينا ألهجره وما راح نرجع، في كنير ناس سكنوا داخل المخيم
بعد سنين لأنه كانوا رافضين الفكرة..
اليوم كل عائلتي بمخيم بلاطه وعسكر.. خالي الكبير اشترى ارض وبنى بيت، وبحرب الخليج
اجيت على عمان مع أولادي. ولا مره رحت ازور سلمه.. ابن عمتي وأبوي راحوا يزوروا
سلمه بعد ال 67 ... لما دخل على بيته قاله اليهودي "إحنا مظلومين مثلكم، لما جينا
هون فكرنا فلسطين ذهب .. ضحكوا علينا.."
جوزي عثمان ضلّوا مناضل لحد ما مات ورغم انه أنا ما تعلمت بس كنت كثير افهم
بالسياسية واسمع راديو...الأرض النا ولازم ندافع عنها... جيلنا عم بموت ولازم نزرع
بالأجيال الجديدة حب الأرض والوطن..
http://www.palestineremembered.com/Jaffa/Salama/Story2997.html