الفلسطينيون في الأردن: قصص على دروب الهجرة

سعد حتر
بي بي سي - عمان

كان الأردن أكثر الدول تأثرا بانعكاسات "النكبة"، المرادف الفلسطيني لقيام دولة إسرائيل بقرار أممي. وبعد ذلك بعقدين، حلّت حرب حزيران، وبات الأردن يستضيف 42 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين.

يقيم زهاء 300 ألف لاجئ فلسطيني في 13 مخيما داخل الأردن، بعضهم واجه مأساة مزدوجة: اللجوء إلى الضفة الغربية عام 1948 والنزوح عبر نهر الأردن عام 1967.

الجيل الأول قضى نحبه دون أن يرى أرض أجداده. وغالبية الجيل الثاني الذين خرجوا أطفالا لم يعودوا على قيد الحياة، هذا ما يؤكده الحاج عمر محمد مبروك.

دروب الهجرة
ويقول مبروك المتحدر من قرية يازور قضاء يافا: "الجيل الذي تربّى في فلسطين وعاين الحرب هناك لم يبق منهم سوى 5 %". ويضيف: "كل من بقي على قيد الحياة مولود في الأردن. أنا عمري 53 عاما ولدت هنا ولا أعرف أي شئ عن أرض أجدادي".

لكن أبو رفيق الذي كان في العشرين من عمره ينفرد باستذكار بدايات اللجوء إلى مخيم عقبة جبر في أريحا (الضفة الغربية) ثم النزوح إلى الأردن بعد حرب عام 1967.

يتذكر أبو رفيق الذي غادر الساحل رفقة زوجته وطفله، محطات التوقف في القرى على مسار الهجرة، حاملا ما تيسر من "شوالات قمح بمساعدة جمّال حين فرّ من بيت نبالا واتجه شرقا مع زوجة أبيه وسائر عائلته".

وما إن وصل الركب إلى قرية رنتيس "حتى كان أهلوها يستعدون للرحيل، فانضم القادمون الجدد إليهم في البحث عن ملجأ شرقا".


مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ارغموا على ترك ديارهم
من بين الفلسطينيين من حمل السلاح وحارب. فعبد الهادي شقيق أبو رفيق قضى بينما كان يقاتل ضمن صفوف الثوار.

أم جلال من العباسية خسرت الدار وبعض أهلها قبل الفرار. كانت عروسا في الثالثة عشرة من عمرها حين حلّت النكبة. شقيق زوجها، المجند ضمن صفوف الجيش الأردني، كان يشيد دارا للعائلة حين حزمت حقائبها و "20 قطعة ذهب (صياغ العروس)، لتفر إلى الضفة الغربية".
مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ارغموا على ترك ديارهم


أما العسكري الأردني (شقيق زوجها) فأصر على القتال إلى جانب كتيبته وقضى في المعارك.

أبو جمال السبعيني يستذكر الهروب من قريته سلمة قضاء يافا صوب بلدة اللد القريبة بعد أن تعرض غالبية أقربائه للقتل والتشريد.

في ذلك الوقت كان أبو جمال في السادسة من عمره. حمل قطتّه أنّى ارتحل حتى استقر في نابلس.

قصص لا تنسى مع أعداء جدد على الطريق: الجوع والعطش. لإنقاذ أبنائه نزعت والدة أبو جمال إلى "قطع البطيخ إلى جزئين. بحيث تطعم أولادها العصارة والبزر ثم تطلب منهم التبول داخل القصعة لتشربهم منها".

الغصّة تبقى بعد عقود بين الطفولة والكهولة. أجداد أب جمال دفنوا على الساحل الفلسطيني. أبوه مات ودفن في نابلس.

أم جمال تستذكر الهروب من اللد. التجمع في نابلس مكّنها وأقرانها من الالتحاق بمدارس وكالة الغوث.

العودة وقرار الأمم المتحدة
يؤكد رئيس وزراء الأردن الأسبق طاهر المصري (1991) المتحدر من نابلس ارتباط الفلسطينيين بحق العودة طبقا لقرار الأمم المتحدة 194.

يقول المصري: "في ضوء الاستقطابات في المنطقة وعدم قدرة الولايات المتحدة على إنهاء الصراع، اختلطت الأوراق وتعقدت كثيرا. إذا استمرذلك سيعقد القضية الفلسطينية أكثر فأكثر مع إيمان الجماهير الفلسطينية القاعدة الشعبية بأن المستقبل لهم بالرغم مما يجري لهم في الداخل والخارج".

ويضيف: "بعد كل التداعيات وإصرار إسرائيل على الاستيطان وبالتالي تقليل فرص إنجاز دولة فلسطينية ناجزة ذات سيادة. وفي ظل الوضع العربي المتفسخ لا يزال الشعب الفلسطيني مصرا على إقامة دولته المستقلة".

تلك الأوضاع، بحسب رئيس الوزراء الأسبق، "لم تثن. بل ربما زادت الفلسطينيين إصرارا على أن حقهم يجب أن يحفظ ولم يستكينوا للظروف والتراجع العربي والدولي".