تعريف بالأغنية الفلسطينية
الأغنية الشعبية الفلسطينية من أبرز ألوان التراث الشعبي الفلسطيني التي أولاها الدارسون اهتماماً خاصَّا، حيث تشترك الأجيال في إبداع كلمات هذه الأغنية، وصياغة إيقاعها، وتعكس الأغنية الشعبية الفلسطينية صورة حية دقيقة لأشكال الحياة وهمومها، وتعبر عن مدى امتزاج الوجدان الجماعي، وأحلام الناس برائحة الأرض، وعبق التراب المضمخ بالعرق والدم، حيث تظهر قوة اعتزاز الشعب الفلسطيني بقيمه وتقاليده وتضحياته وتصور أمانيه وتطلعاته إلى العيش بحرية وكرامة وعزة.
وتشير الباحثة "رنا درويش" إلى أن الأغنية الشعبية تستمد لونها من طبيعة المنطقة التي تظهر فيها، فلكلٍّ من الجبل والسهل، والسفح والساحل، والوادي والبوادي أغانيه وأهازيجه ومواويله، ففي المراعي الجبلية والبوادي شاع الحُداء الشفاف الذي نقل معاناة الشباب، وصوّر عشقهم، وأحلامهم بفتيات الحيّ، وراعيات قطعان الماعز والضأن، وأما المصدر الثاني فكان الموسم الذي تصوره، فلكل موسم أغانيه وأهازيجه الخاصة، فأهازيج موسم القطاف تختلف عن الحرث والبذر والحصاد، والمصدر الثالث هو المناسبة التي ترتبط بها، حيث برزت الأغنية الفلسطينية في مناسبات الأفراح من خطبة، وزواج وختان، وشهدت ليالي السمر والأعراس رقصات الشباب، ودبكاتهم وهم يغنون على أنغام الآلات الشعبية "كاليرغول والشبابة".
لذلك فالأغنية الشعبية هي حصيلة المعارف التي تتناقل عبر الأجيال من جيل إلى جيل، وبذلك ساعدت على وصل الماضي بالحاضر، تمهيداً لبناء المستقبل.
ويعتقد الكثيرون أن الأغنية الشعبية مجرد رقصات لفرق الفنون الشعبية، ناسين أنها مأثورات شعبية، وأن مؤلف النص الشعبي من الممكن أن يكون أميًّا، ومن الممكن أن يكون متعلماً للقراءة والكتابة، أو من المثقفين، وعلى أية حال يمكن أن تكون النصوص مرتجلة أو معدة على الورق.
وتوحي بعض الأغاني الشعبية بوضوح، بالفترة الزمنية، فهذا بيت الدلعونا الذي يتحدث عن جنازة محمد جمجوم، وفؤاد حجازي أبطال الانتفاضة الفلسطينية عام 1929م، والذين أعدموا على أيدي الإنجليز بسبب مقاومتهم لليهود والانتداب البريطاني، حيث يقول الشاعر:
من سجن عكَّا طلعت جنازة .. محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا رب جازي .. المندوب السامي وربعه عموما
وأخذت اللغة العامية تتسرب إلى هذه الأغاني الشعبية حتى سيطرت عليها، حتى ولع بها المغني بالمحسنات اللفظية، وظل الجمهور يقدّر قيمة الأغاني بمقدار إغراقها بالمحسنات، وقد كانت هذه اللغة العامية أداة لها؛ وذلك لأن اللغة الفصحى كانت تستعمل في وقت سابق ثم انحرفت عنها إلى لهجة تقرب من الفصحى وهي "العامية".
وظلت الأغنية الشعبية ذات المضمون الوطني تصور الإنسان الفلسطيني، داعية لمواصلة القتال، على اعتبار أنه واقع تحت تأثير قضية ظلم اجتماعي وسياسي...
وهذه القضية قضية مصير شعب بأكمله في أن يكون أو لا يكون، وهي قضية استعباد الأمة العربية كلها، وإخضاع ثرواتها لنهب الاستعمار، وقضية وجود إسرائيل كجسم غريب على الأرض العربية؛ لذلك أحس الوجدان الشعبي الفلسطيني بأنه لا أمل هناك بالتفاهم مع إسرائيل، وأن مواصلة القتال هو الحل الأمثل، مهما كانت النتائج، وتوحي كلمات الأهازيج بأن مواصلة القتال مكلفة، لكنها خط مبدئي لا رجعة فيه؛ من أجل الشهداء الذين رحلوا، ومن أجل القادة الذين ظلوا يحملون الراية... وهكذا تقول مقاطع أخرى من أهازيج التظاهر نفسها:
يـــــــا أبو علي .... لعيونك والعكـــازة
ما راح نـــوقف .... لو في كل يوم جنازة
يـــــا أبو عمار .... لعيونك والكوفيـــة
مــــا راح نوقف .... كلنا فدائيــــــة
وحتى الشهيد الذي يسقط على الثرى الفلسطينية أو ساحة النضال الفلسطيني في أي مكان من العالم، نسمع صوته مجلجلاً ينادي بالاستمرار في القتال... من أجل أن يرى لحظة الانتصار بعيني رفيقه:
استمـــــــروا
يا رفــــــاقي
استمـــــــروا
وأضيئوا من دمائي شموع النهار
واستمــــــروا
لا يهم المقاتل
حين يضــحي
أن يرى لحظة الانتصار
سأرى لحظـــة الانتصار
سأراهـــــا بعينيّ رفيقي
واستمــــــروا
أغاني الأطفال:
من هذه الأغاني ما هو من صنع الأطفال أنفسهم، ويشهد بذلك بساطة المواضيع، وتناولها اهتمامات الأطفال مثل: الغناء للعصافير، وإظهار الفرحة بشروق الشمس ونزول المطر. ولا بد أن أجزاء من أغاني الأطفال قد أوحى بها الكبار أو صنعوا أجزاء منها...
ومن أغاني الأطفال التي يحبونها:
يا شمس اطلــــــــعي لي
تني أنشـــــــر غسيــــلي
غسيلي في العمـــــــــارة
نطت عليــــــه الفـــــارة
والفــــــارة هندي هنــدي
والليلة نامــت عنـــــــدي
سرقــــت لي صينيـــــــة
حمرا وبيضــــــــة مجلية
الختان (الطهور):
"كان (الخَتّان) وهو الرجل الذي يقوم بختن الأطفال ممن يمارسون في العادة قص الشعر - الحلاقة - كمهنة أصلية، ويمارس الختَّان عملاً إضافيًّا، وكان يرافق الطهور مظاهر احتفالية وأغانٍ شعبية محفوظة في الذاكرة منها:
طهروا يا شلبي وناولو لامـــو
يا دموعو الغالي بللت كمّـــــــه
طهروا يا شلبي وناولو لسيــده
يا دموعو الغالي بللت راســـــه
وطهروا يا شلبي بالموس الرفيع
حمد بعدو زغير خلّي للربيـــــع
عند نوم الأطفال:
وتعبر الأم عن حنانها نحو طفلها أو طفلتها، فهي تغني عندما تحتضن الطفل لترضعه من ثديها، وهي تغني عندما تغيّر له ملابسه، وعندما تلاعبه، وعندما تغسله، وعندما تهلل له لينام، وتفعل مثل ذلك للطفلة، بل وتزيد عليه لأنها تغني لها عندما تسرح لها شعرها، وأشهر نوع من أغاني هذه المناسبات هو التهاليل، ونسمع الأم تهلل لطفلها فتقول مثلاً:
نم يا حبيبي نام تذبح لك طير الحمام
طير الحمام لا تخاف سامي مخبا باللحاف
السكن (الدار):
للبيت أهمية في الوجدان الشعبي الفلسطيني، فهو يرمز للسعادة العائلية ووحدة الأسرة والستر، وهو مصدر فخر وتباه، وهذا التفاخر ينساب في الأغاني النسوية الشعبية، فهي تحقق مصدراً للسكن، فضلاً عن مكانها المرموق عند منتصف الطريق الذي يقصدها الضيف والعطشان:
لمين هــالدار الكبيرة
هلّلي ع جال الطريق
هذي إلك يـــابو فلان
والعطشان يبل الريق
الزواج:
تمر عملية الزواج بعدة مراحل تبدأ بزيارة الأم وبعض النسوة لمنزل العروس لرؤيتها، ومعرفة مواصفاتها، ومن ثَم يحملون ذلك للعريس فإذا نالت الإعجاب تذهب النسوة مرة أخرى لطلب يد العروس، ويُطلب منهن أن يَعُدن بعد أيام قليلة لمعرفة موقفهم من العريس المتقدم إليهم، فإذا تم الاتفاق وكان هناك رضا وقبول، يتم الاتفاق على موعد يرى فيه العريس عروسه، فإذا تمت الموافقة من الطرفين تنطلق الجاهة من عائلة العريس إلى بيت العروس، وتقرأ الفاتحة، وبعدها تعلن الزغاريد... وتصاحبها هذه الأهازيج من النسوة:
الحمــد للـه صبّر قلبي ولا قصّر وانحل حبل الجفا بعد ما تعسّر
وحياة مــــن لا نجوم الليل تتفسر إلى زمان عاهذا اليوم يتحسّــر
واحنا ذبحنـا على الطريق ذبيحة لمّا وصلنا دار أبوك يا مليحـة
واحنا ذبحنا على الطريق كبشين لمّا وصلنا حين إيدك شـاريني
وتذهب العروس مع والدة العريس ووالدتها وأختها؛ لشراء كسوة العروس، وذلك من سوق المدينة أو من القرية نفسها، ثم يقوم أهل العروس بذبح الذبائح، ومنذ لحظة وضع والد العروسين يديهما معًا تقول النسوة:
ريتها مبروكة سبع بركات كما بارك محمد على جبل عرفات
يا ابـــــــو فلان يا نسيبنا والنســــــــــــب ما هو عيـــــــــب
والنســـــــــب زي الذهــب ينحط جــــــــــــوّا الجيـــــــــــــب
وكانت معظم مواعيد الأفراح في الريف الفلسطيني يتم في يوليو وأغسطس حسب البيئة الجغرافية الطبيعية من ممارسة الفلاحة وغيرها، ويأتي يوم الحنة والذي يسبق ليلة الزفاف بيوم واحد، وتُحنّى العروس قبل ليلة الزفاف بيوم واحد، حيث تقول النساء في ليلة الحناء:
يا حبيبي يمشي مع القافلة جيعان جـوعك يا حبيبي ولا جوع أهلي
يا حبيبي يمشي مع القافلة حـــافي حفيك يا حبيبي ولا صرامي أهلي
ويش هالغزال فوق السطوح يفوح خصره رقيق ونغماته ترد الرّوح
ويوم الزفاف تجتمع الصواحب والصديقات؛ ليودعن العروس، ومعهن نسوة وبنات الحارة، ويرددن:
لا ترحلي يا توحشينا يا رفيقتنا وانت سبب عشقنا وأوّل محبتنا
ثم يحجز الأهل حمّام البلد للعريس وتقام الزّفة بعدها.
الزفّة الفلسطينية:
لقد كانت الزفة الفلسطينية من أجمل الاحتفالات الفلسطينية، حيث يركب العريس على الحصان، ويسير مكان الزّفّة، ومن حوله الصبايا والشبّان يرقصون، ويزغردون ويغنون، ومن هذه الأغاني:
طلع الزين من الحمام الله واسم الله عليه
محمد زين وذكره زين محمد يا كحيل العين
مـحمد خاطبـه ربه جمعة وليلة الاثنين
ويقف الرجال قليلاً وهم يرددون:
هانا واربط باب الدار تا تطلع بنت المختار
تلولحي يـــــا داليـــة يا ام غصون العالية
تلولحي عرضين وطول تلولحي لأقدر أطول
دير الميّة عالصفصـــاف واحنا بنذبح ما بنخاف
وهم يطلقون الرصاص ويسيرون مرددين:
درّج يا غـــــــزالي مــــال الناس ومــــــالي
دير الميّ عالعريس واتهني يــــا ام العريس
عريسنا زين الشباب وزين الشباب عريسنا
ويستمرون هكذا سائرين إلى مكان الزّفة، وهم يغنون، وبعد أمتار قليلة يقفون وقتاً قصيراً وهكذا، ومن أمثلة الأغاني
:
يا عمر يا بو العقال من وين صايدها لغزال
يا عمر يا بو حطة من وين جايب هالبطة
وتستمر الأغاني والمسيرة إلى مكان الزّفة الرئيسي، وهناك تبدأ رقصات الدبكة فترة طويلة من الزمن على أنغام اليرغول والشبابة. وفي هذه الأثناء يقف أهالي الحي أو المنطقة أو العشيرة؛ ليوقفوا الزفة أمام منازلهم وتقدم المشروبات الخفيفة للعريس ومن معه في الزفة، وكان في الماضي يقدم مشروب السكر والليمون.
الخاتمـــــــــــة
هذا بعض تراثنا الشعبي، الذي فيه من الجمال والحكمة، والنبوغ، والأحاسيس، ما يشدنا إليه. قد صنعه أجدادنا وجداتنا، جيلاً بعد جيل، وتراثنا عريق أصيل ورائع جميل، فكيف لا يصاغ بأسلوب يليق بأرضنا ووطننا وشهدائنا.
إن التراث الشعبي الفلسطيني علامة بارزة تدل على هوية هذا الشعب العريق حيثما حل أفراده وأينما ارتحلوا وهو لا ينتمي إلى الماضي البعيد فحسب، بل هو أيضاً ينتمي للماضي القريب، المتصل بلحظة الحاضر، التي تصل الماضي بالمستقبل... وعلى هذا الأساس الانشغال بالتراث جزء من انشغال الإنسان بذاته.
وإليكم بعض أغانينا من تراثنا الشعبي الفلسطيني
يابو قذيلـة منثورة
مشيك دلال وغندرة
زينك ماشفتـو بالعرب
ولابسرايا معمّرة
زينك ماشفتـو بالمِدن
زينك غلب عذبة وحسن
والبيض يوم الــ يبلسن
يزيدن عالسمـر غندرة ..
سبّل عيونـه ومد إيدو يحنّـوله
غزال زغيّر وكيف أهله سمحوله
وش هالغزال الذي عن دارنا مارق
خصرة رقيّق وبوزه بالعسل غارق ..
ياواردة عالنبع
ياواردة عالنبع
ماتسقيني من الجره
وحياة عينك ياسمره
مابوخذ غيرك بالمره ..
من مرزعتي ومن تل العاصور العال
ضحك البيدر للغله وغنى موال
ياحيفا عالسناره ثوبك منسوج
دمعك مثل القطارة ينزف عالموج
البحر تغشّم ياخسارة عندي والموج
من كوشان البيارة خوذ العنوان ..
يازريف الطول وكّـف تــ كلّك
رايح عالغربة وبلادك أحسنلك
خايف يازريف تروح وتتملك
وتعاشر الغير وتنساني أنـا ..
وين عــ رام الله
وين عــ رام الله
ولفي يامسافر
وين عـ رام الله
ماتخاف من الله
ماتخاف من الله
خذيت قليبي
ماتخاف من الله
عــ بلاد بعيده
عــ بلاد بعيدة
رايح ياولفي عــ بلاد بعيدة
راجع أكيده
راجع أكيده
عــ أرض بلادي راجع أكيدة ..
على دلعونـا
وعلى دلعونـا
باي باي للغربة الوطن حنونـا
ياطيرٍ طاير سلّم عــ البيـرة
عــ القدس الشريفه
سلّم عالطيـرة
وتراب بلادي سجاد حريرِ
والميّـه بلسم والبُعد جنونـا ..
علّي نارك علّيها يابن كنعان
حمّصلي العدانيـة باب الديوان
حمصها بالمحماصي يعبي الراسي
واسمعني من مهباشك أحلى الألحان
بهّر هالهال الأشقر مع جوز الطيب
تسكب سادة وتحيّي جموع الضيفـان ..
هز الرمح بعود الزين
وانتوا يانشامى منين
واحنا شبابك فلسطين
والنعم والنعمتين
نقطع النهر بأمان
والخصم شاهد عيان
ترّخ عندك يازمـان
ظلم وغدر الغربييـن ..