أصل الاسم (سلمة)
إن من أهم ما تفخر به بلدة سلمة، هو أن ترابها يحتضن رفات ذلك الصحابي الجليل (سلمة) رضوان الله عليه، حيث أن له مقاماً وضريحاً يتوسط مسجد البلدة. وقبره يزار وله حرمة وتقديس بين سكان تلك المنطقة، فقد كان يهرع إليه معظم أهالي تلك المنطقة لذبح الذبائح ويفاء النذور عند قبره، كما كانت تحلف الأيمان بين الأطراف المتخاصمة عند ضريحه إجلالاً واحتراماً لمقامه المقدس، كما كان له موسم سنوي يجتمع عنده معظم نسوة أهالي مدينة يافا وما جاورها في أول يوم جمعة من شهر شعبان، وتسمى (شعبونية) فيقضين نهارهن بجوار ضريحه.
ومن اسم هذا الصحابي الجليل رضوان الله عليه أخذت بلدة سلمة اسمها.
سلمة بين الحقيقة والأساطير (الخرافات)
كما كانت العجائز والجدات ينسجن أساطير من الخيال لا سند لها من الحقيقة – طبعاً -، حول حقيقة واسم هذا الصحابي الجليل، فقد كن يخلطن بينه وبين سلمة ابن زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لتشابه الاسم، حيث كن يروين لنا ونحن أطفال صغار، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أراد أخذ سلمة ليحارب معه الكفار، جاء إلى زوجته أم سلمة وقال لها أريد ولدك سلمة ليحارب معنا الكفار، فقالت له: لا مانع بشرط أن تأخذه سالماً وتعيده لي سالماً كما أخذته لأنه وحيدي، فوعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وعندما استشهد سيدنا سلمة احتار الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا يفعل، وقد وعد زوجته أم سلمة برد ابنها سلمة إليها سالماً، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم حسب رواية العجائز والجدات إلا أن أقبل على جثة سيدنا سلمة وقال للجثة قم بأمر الله سالماً. فأحياه الله وقام يمشي مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أوصله إلى مكان إقامة والدته وقال لها: خذي ابنك أعيده إليك سالماً كما أخذته، ولكن ما أن غادر الرسول صلى الله عليه وسلم المكان حتى فارقت روح سيدنا سلمة جسمه وعاد ميتاً كما كان، وهن بذلك يفسرن كيف أن سيدنا سلمة رضوان الله عليه مدفون في موقع بلدة سلمة بعيداً عن مكان استشهاده (المشهد) الذي يقع على بعد حوالي أربعة كيلو مترات إلى الشمال من بلدة سلمة وبالقرب من نهر العوجا ولا يزال مكان استشهاده ظاهراً إلى اليوم مع نفر كريم مع الصحابة ومحاط بالأسلاك الشائكة في موقع تعارف الجميع على إطلاق اسم المشهد عليه.
سلمة ابن زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
تروي كتب التاريخ بأن سلمة ابن زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن أبي سلمة عبد الأسد بن هلال المخرومي، وأن أبا سلمة حينما أجمع أمره وعزم على الهجرة إلى المدينة المنورة واللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، هيأ لزوجته أم سلمة بعيراً ووضع ابنها سلمة في حجرها، وكان لا يزال فتىً يافعاً لم يبلغ مبالغ الرجال بعد ومشى هو يقوده بعيره، وإذا بالقوم من أقارب زوجته يعترضون مسيرته قائلين له: إن كنت تنوي الرحيل فلا يجوز لك أن تأخذ ابنتنا (زوجتك) معك، ولما لم يستطع أن يثنيهم عما طلبوا أمسك بذراع ابنه سلمة يريد أن يأخذه معه فأمسك القوم بالفتى أيضاً، وقالوا له ولا هذا أيضاً فهو ابن ابنتنا، وراح كل طرف يشد بالفتى على ناحيته، فانخلع إبط، سلمة مما حمل والده على تركه مخافةً على حياته ورحل وحده، وبقيت زوجته في قومها تبكي زوجها ليلاً ونهاراً إلى أن رقت قلوب بعض أهلها لحالها وتركوها تلحق بزوجها هي وابنها، ولم يؤثر أو يعرف عن سلمة ابن زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجه إلى بلاد الشام للقتال، كما أنه من المؤكد أنه توفي ودفن في المدينة رضوان الله عليه.
فمن هو سلمة الحقيقي هذا إذن؟
إنه على التحقيق سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي، وهو أخو أبو جهل عمرو بن هشام وابن عم البطل والقائد الفذ سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وكان من خيار الصحابة ومن فضلائهم وشجعانهم ومن السابقين في الإسلام، فقد أسلم في أوائل الدعوة الإسلامية وهاجر إلى الحبشة، ولما عاد إلى مكة حبسه أخوه أبو جهل وأجاعه وأعطشه وعذبه (في الله سبحانه وتعالى) فصبر واحتمل الأذى ولم يهن ولم يتزعزع إيمانه وبقي راسخاً كالطود، إلى أن تمكن من الهرب هو واثنان آخران هما الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة، ولم علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمخرجهم دعا لهم في صلاته حينما رفع رأسه من الركوع بأن ينجيهم الله من المشركين. وسلمة بن هشام هو أحد أخوة خمسة هم أبو جهل والحرث وسلمة والعاص وخالد، وقد قتل أبو جهل والعاص في بدر وماتا كافرين كما أسر خالد وافتدى ومات كافراً أيضاً، أما سلمة والحرث فقد أسلما وكانا من خيار الصحابة، وبعد هربه والتحاقه بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة لازم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قبض وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، فخرج سيدنا سلمة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه مع الجيوش الإسلامية إلى بلاد الشام مقاتلاً وقيل أنه استشهد في معركة مرج الصفر سنة 14 هـ في أوائل خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل أنه استشهد في معركة أجنادين سنة ثلاث عشرة هجرية قبل وفاة أبي بكر، والقول الأول أرجح، لأنه يقال بأن موقع معركة أجنادين هو بالقرب من بلدة جبرين قضاء الخليل ولا يعقل أن يكون نقل جثمانه من هناك كل هذه المسافة ليدفن في بلدة سلمة بينما يشير مكان استشهاده (المشهد) والقريب من بلدة سلمة بأنه استشهد في معركة مرج الصفر على القول الغالب عن مكان استشهاده، وقد يكون اسم مرج الصفر هو الاسم الذي كان يطلق على السهل الممتد من أمام بلدة سلمة وحتى نهر العوجا، حيث كانت تدور رحى معظم المعارك الطاحنة على ضفاف البحيرات والأنهار وينابيع المياه لحاجة الجيوش الماسة إلى الماء- والله أعلم -.