نصوص تراثية
في ضوء علم الاتصال المعاصر
تأليف/ صالح خليل أبو إصبع عمان «الأردن»: آرام للدراسات والنشر، 2001م، 272 صفحة
يمثل النشاط الاتصالي على اختلاف وسائله وتقنياته أهم الأنشطة البشرية على الاطلاق، وإذا كان الانسان قديما؛ قد استخدم وسائل عديدة للاتصال مثل النار وقرع الطبول والاشارات والألوان والأصوات وغيرها، إلا ان أهم ابتكاراته كان «الأبجدية» التي سهلت التواصل البشري وساعدت على تراكم المعرفة ونقل التراث الانساني عبر الأجيال، وأصبحت معارف البشرية تركز بشكل أساسي على نجاح الانسان في توصيل الرسائل اليه والتأثير عليه أو اقناعه. واليوم تتصدر وسائل الاتصال وتقنياته أنشطة الانسان كافة، وتربطه بكل ما حوله، بل إنها أضحت لعبة الأمم والحكومات في السلم والحرب، في الخير والشر، في التأثير والسيطرة. وبها وعبرها تحول الكون الى قرية صغيرة. وهذاالكتاب يتناول جوانب العملية الاتصالية: المرسل، الرسالة، الوسيلة، المتلقي، الرجع، التشويش، البيئة/ الظرف الاتصالي، الهدف والتأثير. كما وردت في كتب التراث العربي. فقد ناقش كثير من العلماء العرب شروطاً مرتبطة بالمتصل/ المرسل، وأخرى مرتبطة بالمتلقي، وثالثة مرتبطة بالوسيلة كالكتاب والقلم والاتصال اللفظي/ الخطابي. واليوم ونحن في ملع الألفية الثالثة، وقد تشابك العالم اتصالياً في ظل الفضائيات والانترنت وما يعرف بالطريق السريع للمعلومات، يتساءل المؤلف: أين موقع الاتصال في التراث العربي؟ هل له وجود؟ وهل يمكن البحث عن نظرية اتصالية عربية؟ وتمهيداً لدراسة ذلك، يقول المؤلف:«إن كتب التراث غنية في معالجة قضايا الاتصال. إلا ان العرب القدامى لم يتناولوا الاتصال بمسماه المعاصر، فقد تحدثوا عنه تحت أسماء عديدة مثل: البيان والبلاغة. وتحدثوا عن بعض أشكاله ووسائله مثل: حديثهم عن الخطابة والكتابة. وتحدثوا عن شروط الاتصال الناجح حينما تحدثوا عن شروط الكاتب الناجح والخطيب الناجح والمتحدث الناجح. وتحدثوا عن بعض أنواع الاتصال وأنشطته مثل: الاتصال الذاتي، والاتصال الشخصي والاتصال الجمعي، والاتصال الرسمي «التنظيمي»، والاتصال عبر الثقافات والاتصال الدولي..». وقد أورد المؤلف أشكال الاتصال التي مارسها العرب والواردة في مؤلفاتهم، مثل الاتصال السياسي باستخدام الشعر والخطابة والكتابة والمناظرات، ودور المساجد الاتصالي كوسيلة اتصال جمعي في المجتمعات الاسلامية، لعبت عبرها الدعاية للمذاهب المختلفة دوراً سياسياً هاماً، الى جانب الحديث عن الوظائف الرئيسية للاتصال، ومن بينها الترويح «الترفيه» وخصوصاً الموسيقى والغناء. إلا ان الكتاب كان أحد أهم وسائل الاتصال وقتها، وقد عني العرب القدامى بفن الكتابة وأدواتها من ورق وحبر وأقلام، واعتنوا كذلك بالحجابة والدواوين والبريد وما لها من وظائف اتصالية. ولتحليل أركان العملية الاتصالية وشروطها ووسائلها ووظائفها وأنواعها، عمد المؤلف الى تقسيم كتابه الى قسمين رئيسيين: يتكون الأول من ثمانية فصول، تناول فيها عدة دراسات تحليلية معاصرة تدخل كما يرى في صميم التطبيق العملي لدراسة الاتصال في التراث العربي. أما القسم الثاني فقد اشتمل على نصوص أساسية من التراث العربي، ثم ترتيبها حسب موضوعاتها. وهي نصوص تحتاج الى تحليل، إلا ان المؤلف لم يقم بذلك وإنما عرضها كما جاءت في مظانِّها. وتشكل هذه النصوص علامات على طريق فهم الاتصال في التراث العربي، وكان مفتتح فصول هذا الكتاب بعنوان «في تحديد المفاهيم» وهو فصل يُعنى بتناول علم الاتصال المعاصر، ويمهد لفهم عملية الاتصال وعناصرها من خلال مصطلحاته المعاصرة، وبالتالي يكون أساساً نظرياً لتطبيق مفاهيم التراث العربي الاتصالية عليه. بالاضافة الى تقديم تعريف للتراث ومفاهيمه الاتصالية كما جاءت بلغة أصحابها. ويهتم الفصل الثاني من الكتاب والمعنون ب«كيف ندرس الاتصال في تراثنا ؟» بمراجعة الأدبيات التي درست الاتصال مع ربطه بالتراث أو الاسلام، كما رصد الفصل قائمة بأسماء الكتب التراثية التي تضم نصوصاً تعالج موضوعات الاتصال ووسائله وشروطه. الى جانب عدد من الكتب التي تناولت موضوع الاعلام الاسلامي. ويشكل القسم الثاني من الكتاب العمود الفقري لموضوعه، حيث يعرض لاثني عشر نصاً تراثياً بعضها وصايا مثل وصايا ابن المدبر وعبدالحميد الكاتب، ووصايا بشر بن المعتمر للخطباء، وهم يقدمون في وصاياهم أسساً للاتصال الناجح ما زالت صالحة الى يومنا هذا. وكذلك نجد الجاحظ في حديثه عن البيان، وابن وهب الكاتب في حديثه عن وجوه البيان، يناقشان أركان عملية الاتصال وأشكال الاتصال، من خلال رؤية لا تنأى كثيراً عن الرؤية المعاصرة لعملية الاتصال وأشكالها. وكذلك فإن ما يقدمه أبوهلال العسكري من تعريفات للبلاغة وشروط الكتابة إنما يدخل في تصميم العملية الاتصالية ودراسة شروط نجاحها. وتقدم رسالة ابن حزم الأندلسي «في الغناء الملهي» وجهة نظر فقهية، في جانب من جوانب الاتصال، وهو الجانب الذي يتمثل في الغناء كنوع معين من الرسائل الاتصالية التي تهدف الى تحقيق الترفيه وهي تقدم وجهة نظر بحاجة الى التفحص. أما ابن خلدون فإنه يتحدث عن المتصل حينما ينقل لنا خبراً. وذلك عند حديثه عن «أسباب التطرق الى الكذب في الخبر» وهو في رؤيته تلك يقدم كما يرى المؤلف ما يصلح لأن يطبق على الاعلاميين كافة من كتاب الصحف ومراسليها ومحرري وكالات الأنباء والصحافة والاذاعة والتلفزيون ومندوبيها. ويتحدث القلقشندي عن فضل الكتابة، وهو هنا يأخذ على عاتقه بيان ميزات إحدى الوسائل الاتصالية. وجملة هذه النصوص، تحمل في طياتها أسئلة لما يحتويه تراثنا العربي من كنوز تحتاج الى اكتشاف ودراسة.
الرجوع